طرق إدماج التربية على القيم في المدرسة المغربية
تقديم
تعتبر التربية على القيم من أساسيات المدرسة، وأهم ما يمكن أن تقدمه للمتعلم، وتستند التربية على القيم على استراتيجيات وطرق متعدد، كما تحتاج إلى مقاربات بيداغوجية متطورة، فماهي هذه البيداغوجيات الناجحة لتحقيق التربية الأخلاقية والحقوقية:
![]() |
تحضير جذاذة التربية على القيم في المدرسة المغربية |
طرق إدماج التربية على القيم
وتتطلب التربية على القيم الحقوقية الأخلاقية :
1. الارتباط بالواقع و التجربة، من أجل تمحيص المفاهيم والمبادئ و القيم.
2. توفير فرص حقيقية لممارسة حرية التفكير وحرية التعبير،عن طريق تنمية القدرة على الإنصات إلى الرأي الآخر، واحترامه ومناقشته، وتبني الأفكار الأكثر إقناعا.
3. توجيه المتعلم للاتصال بالمحيط الاجتماعي و البيئي، و يتمثل ذلك من خلال القيام بزيارات أو رحلات، أو استجوابات أو مقابلات أو ملاحظة بعض الظواهر أو فحص بعض الفرضيات... وكل ما يعبر عن وضعيات تعلمية تنمي لدى التلميذ حس الفضول، والبحث و المعاينة والمقارنة، واتخاذ المواقف المناسبة للسلوك الإيجابي.
4. ضرورة إحداث وضعيات اجتماعية أو نفسية أو إشكالية، كمعيار لتقويم مدى نمو القدرات و اكتساب الكفاية الحقوقية والأخلاقية المستهدفة.
5. تشجيع العمل الجماعي، و إكساب مهارات تفعيل طرق الحجاج و الإقناع، في اتجاه الدفاع عن الآراء الصائبة.
6. تنمية القدرة التواصلية، من إصغاء وتفاعل مع غيرهم من المتعلمين لما له من إيجابيات على المستوى السيكولوجي، حيث حضور التحفيز النفسي، وتنمية الثقة بالنفس، أما على المستوى الاجتماعي، فيشجع التفاعل بين التلاميذ على التحليل المشترك للوضعيات، و تأويلها وتفسيرها بشكل مختلف، بحسب اختلاف المنطلقات، وزوايا المعالجة، وعبر هذه الأنشطة يسهل إدراك التنوع والاختلاف، كعوامل للإغناء المتبادل للخبرات، ولتنمية روح التسامح والتضامن، ولتحقيق هذا الهدف يمكن تنفيذ بيداغوجيا الفريق التي تسمح بإيجاد فريق متعاطف و منتج ومناضل، حسب تعبير فيليب ميريو Philippe Meirieu، وقادر على اكتساب واستيعاب المعرفة والمهارات والقيم عموما، ومعرفة مهارات وقيم حقوق الإنسان على وجه الخصوص[6]، أما على المستوى الفكري، فيشكل التفاعل وسيلة لمقابلة الآراء بالاحتكام، تارة إلى القوانين، وتارة للمعايير الأخلاقية، مع تفعيل الروح النقدية، ومساءلة الذات، وموقف الآخرين.
7. التشجيع على التعبير الحر، مما يخول للمتعلم الحق في الرأي والتفكير، والدفاع عن وجهة نظره، أو تكوين قناعات شخصية راسخة، لذا نجد أن باولو فرايري يؤكد أن "الحوار هو الذي يحتاج إليه التفكير الناقد، و هو وحده القادر على توليد التفكير المبدع، فبدون الحوار لا يوجد اتصال وبدون اتصال لا يوجد تعليم، فالتعليم الحق هو القادر على حل التناقض، في علاقة الطالب والأستاذ، وهو الذي يجعلهما مشاركين في عملية واحدة "[7]. وسلوك الحوار الإيجابي من أخلاق المسلم التي دعا لها ديننا الحنيف "وجادلهم بالتي هي أحسن " (النحل :125 ). وهذا الحوار هو الذي يمكن من تنمية القدرة على حل النزاعات بالتفاوض، و تنمية روح التعاون في البحث عن حلول مشتركة و تنمية روح التفاهم.
8. يجب أن تعتمد التربية الأخلاقية والحقوقية على البيداغوجية الفارقية التي تراعي الاختلاف بين المتعلمين وأوساط انتمائهم، وكذا مستوى أبائهم الفكري والثقافي لأن ذلك له تأثير كبير في مجال التربية، هذا إلى جانب مراعاة الفروق الفردية المرتبطة بكون كل فرد يفكر بطريقة معينة، ويملك وسيلة مفضلة لتمثل العالم، وأسلوب مفضل للتعلم، إذ يمكن التمييز بين المتعلم بالسمع، والمتعلم بالبصر، والمتعلم بالأنشطة، لذا لابد من وضع استراتيجيات تعليمية مبنية على مبادئ المشاركة والتفاعل والتجربة، ومنطلقة من تحليل إمكانات المتعلمين، مميزاتهم الشخصية، وكذا تنويع الأنشطة، وجعلها تستجيب ما أمكن لقدراتهم ولما يحفزهم، أكثر على التعلم.
9. وتمكن بيداغوجيا المشروع من صقل مواهب المتعلمين، و فحص قدراتهم الإبداعية، وتشجيعهم على البحث و الاستطلاع، لإكسابهم روح التعاون و المسؤولية، و احترام الآخر وحقه في الاختلاف، وكذا التدرب على الجدية والإخلاص في العمل، حيث أن بيداغوجيا المشروع تنطلق من كون "المشروع" ليس غاية في حد ذاته، و إنما تجربة بيداغوجية مهمة في التعلم الذاتي للتلميذ بحيث يكون المشروع مناسبة لخلق وضعيات تعلمية تدعو التلاميذ لمواجهة عقبات أو وضعيات معينة تفرض على المتعلمين تخطيها بالبحث عن الحلول المناسبة أو التكيف معها ...مما يدعوهم إلى توظيف مكتسباتهم القبلية وإبراز مهاراتهم وقدراتهم و تثبيتها وتنميتها، وتطوير قدراتهم على التمييز والتروي وبناء التفكير الحر، الناقد و المبدع، وتنمية روح المسؤولية اتجاه الذات، واتجاه الآخر، مما يشكل أساسا لترسيخ القيم الأخلاقية والحقوقية لدى المتعلمين، وفي نفس الوقت، توسع مجال تعلمهم وتساهم في تحويل قدراتهم إلى كفايات تؤهلهم للمشاركة في الحياة اليومية والتفاعل الإيجابي مع محيطهم الاجتماعي والثقافي و الاقتصادي، فالمشروع هو عبارة عن مجموعة من الأعمال يشارك التلاميذ في "تخطيطها و تنفيذها، ترجمة مقبولة لإسهام المنهج في بناء الديمقراطية واكتساب قيمها والتدرب على مهاراتها، فالتلاميذ يخططون ويشاركون في توزيع الأعمال و المسؤوليات على أنفسهم، ثم يقومون فرادى وجماعات بالتعاون على تنفيذ الوحدة و تقويمها "[8].
انظر ايضا:أرجوكم لا تشجعوا أبناءنا على السكر العلني
استنتاج حول طرق إدماج التربية على القيم
إن التربية الأخلاقية والحقوقية التي تستمد منابعها من الدين الإسلامي الحنيف من أرقى ما عرفته البشرية عبر التاريخ، غير أن الغفلة التي ابتليت بها شعوبنا ودولنا العربية المسلمة، جعلت هذا الجانب مهمشا في مدارسنا ومؤسساتنا التربوية، لنغوص في بحر من التخلف لا نهاية له. ولو أننا أحيينا هذه القيم في كل مراكزنا التربوية، وجعلناها هدفا موضوعا نصب أعيننا لكسرنا صخرة الظلم والقهر التي تعصف بمجتمعاتنا، ولتقدمنا بخطى كبيرة إلى الأمام، خاصة أننا نشكو في زماننا من تعارض الأفعال مع الأقوال، رغم أن ديننا يؤكد "كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون "(الصف :3)، كما أننا نعيش تناقضا كبيرا بين ثراء قيمنا الدينية بالأخلاق والمثل النبيلة، وضعف التطبيق العملي والواقعي لهذه القيم، وهو ما يؤكد معاناتنا من أزمة قيم، وأزمة أخلاق بالدرجة الأولى، ومتى استطعنا أن نتجاوز هذه الأزمة، سنحقق التقدم والازدهار في كل المجالات، لأننا سننجح في بناء الإنسان السوي، وسنمنحه كل حقوقه المشروعة والأصيلة. وحينها ستنجح التربية على القيم، لأن المتعلم سيجد انسجاما كبيرا بين ما يتعلمه في المدرسة، وبين الواقع المعاش، حيث تراعى الأخلاقيات السامية في كل المجالات. وحتى ذلك الحين الذي تصبح في القيم والأخلاق الإسلامية والإنسانية النبيلة حقيقة اجتماعية وسياسية واقتصادية ...جدير بنا أن نحاول الانطلاق من المدرسة بكل مستوياتها الدراسة، من الابتدائي إلى الثانوي، بل ويشمل هذا التكوين الأخلاقي والحقوقي حتى أسلاك التعليم العالي. لأن التربية الأخلاقية هي الهدف الأساس للرسالة المحمدية، والتي يلخصها قول الرسول صلى الله عليه وسلم "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق".
تعليقات
إرسال تعليق