القائمة الرئيسية

الصفحات

تربويات: قصة الفضيحة المدوية المفبركة لمدرسة فاضلة(قصص افتراضية من يوميات مدرسة)

تربويات: قصة الفضيحة المدوية   المفبركة لمدرسة فاضلة  (قصص افتراضية من يوميات مدرسة)

تقديم: الفضيحة المدوية

يعاني العديد من المدرسين من الظلم، والأحكام الجاهزة، واستغلال وسائط التواصل الاجتماعي للتشهير بهم، والتقاط مشاهد فيديو لهم داخل الفصل، خاصة بعد الاكتساح الكبير للهواتف النقالة داخل الأقسام، وسوء استعمالها من طرف التلاميذ، فأضحى ما يعرف بالإعلام الفضائحي، وقصة فاطمة المجاطي نموذج افتراضي لذلك.




الفضيحة الصادمة الفضيحة المدوية

لم تتوقع فاطمة، وهي الاستاذة المخلصة التي قضت في مهنة التعليم الثانوي سنوات طوال، كلها عطاء وشرف، كلها حب وإخلاص للضمير المهني، أن تجد نفسها ذات صباح، في مأزق صعب، وفي وضع قاس، لا تحسد عليه، لقد فتحت هاتفها لتستكشف أخبار الصباح، وتعرف جديد الأنباء، لتجد نفسها، ودون أن تدري، هي الحدث، وهي الخبر الذي يبحث عنه الجميع في ذلك الصباح، فصورها تملأ الفايس بوك، وتكتسح مشاهدات يوتوب، وهي نائمة في بيتها، لا تدري شيئا، وقد كتب عنوان عريض باسمها: " فاطمة المجاطي، مدرسة الانجليزية، بثانوية الزهور، تتسبب في أزمة نفسية لتلميذة تدعى عائشة القدميري، بعد أن شتمتها، ومست عرضها"، وتحت العنوان العريض، فيديو مسجل، يوثق للحدث بكل تفاصيله، إنها فضيحة بكل المقاييس. 

مقطع الفيديو المؤلم الذي يشكل الفضيحة الفضيحة المدوية

صعقت المسكينة، وشعرت بالدم يغلي في عروقها، والغضب يتملكها، وكأن الدنيا تلفها، وتدور بها، "كيف حدث ذلك؟ هي الخبر، وهي  الشخص المبحوث عنه؟"،  حاول أن تتحكم في أعصابها قليلا، أن تسيطر على مشاعرها، وإلا ستصاب بارتفاع الضغط الحاد، حركت أناملها على شاشة الهاتف، لتفتح الفيديو المنشور، لتسمع وترى،  إنها هي نفسها، تشرح الدرس، وفي لحظة ما، تتوقف، لتوجه الكلام لأحد التلميذات الجالسات في الطاولة الأمامية، كلام قبيح، لا يمكن سماعه، ولا التلفظ به، حتى مع نفسك، كلمات جنسية قبيحة، خارقة لكل قيم المجتمع. تكاد تجن، كيف وقع هذا، نعم إن ما تشاهده، حقيقة، ولكنها حقيقة ناقصة، إنها هي الواقفة هناك تشرح الدرس، ولكن الكلام، ليس كلامها، ولا يمكن أن تتخيل نفسها تقول كلاما فاحشا مثل ذاك الكلام، كلام ساقط بكل ما تعنيه الكلمة، كلام فاضح جدا.

كيف حدث هذا؟ الفضيحة المدوية

قامت من مكانها فزعة، مرعوبة، وسؤال مؤرق يكاد يتفجر في أعماقها مرددا، كيف حدث كل هذا؟ لا يمكن أن يكون الكلام كلامها، ولكن الصورة صورتها، والقسم قسمها، جلست مرة أخرى على الكنبة، وفتحت الهاتف من جديد لتتأكد من أنها هي المعنية، ووهي ذاتها المقصودة، تنبهت للكم الهائل من التعليقات أسفل المقطع المصور، فتحته بيدين مرتعشتين عساها تجد تعليقا واحدا يوضح لها ما يحدث، غير أن نار غضبها ازدادت اضطراما بعد أن قرأت عبارات سب وقذف تدينها، وتلعن كل المدرسات أمثالها، عبارات قاسية جدا:

-" انظروا إلى من يربي أبناءنا اليوم، خسئت!"

-" نموذج لا يشرف من أساتذة آخر الزمن"

-"وقحة"

-" يا للعار، وللفضيحة الكارثية"

-"…"

عبارات لا تعد ولا تحصى من الإدانة والشجب والإهانة، شعرت بوقعها على صدرها  كرصاصات قاتلة،  صرخت بأعلى صوتها: 

-" يا إلهي، ما هذا العار الذي لحقني؟ وكيف السبيل للتطهر منه؟ ما هذه المصيبة التي ألمت بي؟ لم أحسب لها حسابا يوما، لا لا لم تكن أبدا  في الحسبان "

توقيف عن العمل الفضيحة المدوية

وبينما هي غارقة في صدمتها، تتقاذفها أمواج هائجة من الغضب، وتخبط الأفكار في عقلها خبط عشواء، رن الهاتف، لتسرع نحوه بلهفة، وترفع السماعة بسرعة مذهلة، عسى أن تجد سائلا عن أحوالها، يفسر لها ما يحدث:

-ألو، السيدة فاطمة المجاطي؟

- نعم ، أنا هي ، من معي؟

- أنا المدير الإقليمي، عار ما فعلته يا سيدة التعليم الغير محترمة، لقد وصل المقطع المصور الذي يدينك إلى وزير التعليم وأمر بتوقيفك عن العمل، في اللحظة والآن،  إلى أن تعرضي على المجلس التأديبي ليبث في قضيتك، ويتبرأ من فضيحتك المدوية "

- أنا بريئة يا …"

لم يسمع هذه العبارة الأخيرة، فقد أغلق الهاتف في وجهها، بمجرد انتهائه من سرد كلماته التي نزلت كالسم القاتل الزعاف على جسدها، شعرت وكأن العالم يدور بها بسرعة خيالية، فسقطت مغمى عليها.

لن أتنكر لك عزيزتي فأنت بريئة الفضيحة المدوية

في صباح اليوم التالي، وجدت نفسها ملقاة على أحد أسرة المستشفى القريب من منزلها، بعد أن حملها زوجها على وجه السرعة، لينقذها، ظانا أنها قد تعرضت لسكتة قلبية، بعد أن رأى حالتها، وقرأ ما كتب عنها في الجرائد، وما تناقلته وسائل التواصل الاجتماعي، لم يصدق ما حدث، لا يمكن لزوجته المتخلقة التي اشتغلت في التعليم عمرا، وأفنت فيه زينة شبابها، أن تنبس بتلك الكلمات الفاحشة، حتى في أوج لحظات الغضب، فهو يعرفها جيدا، ولو تنكر لها كل العالم، فلن ينكرها هو، ولن يتخلى عنها، طمأنها، وهدأ روعها، وأمسك بيدها قائلا:

- "لا تخافي عزيزتي، ولا تهتمي لما يحدث، أنا معك، وسأثبت براءتك "

كان زوجها رجل تعليم مثلها، آلمه الظلم الكبير الذي لحقها، فرفع دعوة قضائية طالب فيها بالتحقيق في مصداقية المقطع المصور، من صوره؟ وهل الكلام المنطوق يخرج من فيها،أم مجرد فبركة؟ ومن له المصلحة في أن يفضحها، ويشوه صورتها؟

حكم البراءة الفضيحة المدوية

وفعلا أثبت براءتها بعد مدة تجاوزت السنة، فقد توصلت المحكمة بعد عرض المقطع المسجل إلى حقيقة أنه مفبرك، من طرف تلاميذ الفصل المتقاعسين، المشاغبين، الذين فكروا في الانتقام من فاطمة، لأنها رفضت تزوير نقطهم الضعيفة، وتحويلها لنقط عالية، حتى يتمكنوا من النجاح، فوجدوا في وسائط التواصل الحديثة وسيلة سهلة للانتقام والتشهير بأناس شرفاء  والغريب أن التلاميذ الآخرين لم يشهدوا في صف المدرسة، ولم يقفوا لمساندتها، بل أقروا فعلتها، خوفا من انتقام عصابة القسم، التي فاقت جريمتها الحدود، ومستوى التوقعات. 

أما المجلس التأديبي فقد أقر بتوقيف الأستاذة لإخلالها بآداب المهنة، انسجاما مع موقف وزير التعليم، الذي طالب بإنزال أشد العقوبة في حق فاطمة، بفصلها عن المهنة، وتوقيف أجرتها، وسط مساندة القرار وتثمينه من طرف العديد من الزملاء، الذين فرحوا  بالقرار، واعتبروه إنصافا، للتلاميذ. ولم يتراجع  المجلس عن قراره إلا بعد أن صدر حكم ببراءتها وإدانة المجرمين الحقيقيين من تلاميذ الفصل المشاغبين.

وما زاد ألم فاطمة وبؤسها أن الرأي العام صدق الإعلام الكاذب الذي اتخذ من وسائل التواصل الاجتماعي وسيلته الوحيدة، وأدانها قبل أن يدينها القضاء، فقد مرت سنة كاملة، وهي تعاني من نظرات المارة، وأهل الحي، وزوار المتاجر الكبرى، الذين تشاركهم الفضاء، لقضاء غرض ما، إذ أضحت مشهورة، مثل نجوم السينما، لقد رأتهم مرارا وهم يتغامزون، ويوشوشون في آذان بعضهم بعبارة مستفزة، متكررة: " هذه هي المدرسة المنحطة التي تفوهت بذلك الكلام الفاحش "

لن أعود للفصل الفضيحة المدوية

رغم قرار العفو عن فاطمة، ومطالبتها بالرجوع للممارسة المهنة،إلا أنها قررت أن لا تعود للقسم مرة أخرى ، فقد كسرت نفسها، وقطع الخيط الرفيع الذي يربطها بمهنة الشرف والرسالية، فقدت الثقة في تلاميذ طالما أحبتهم، ظلموها، ووجدوا في وسائل التواصل الجديدة ، من فيسبوك، ويوتوب…سلاحا تدميريا يقضون من خلاله على سمعة مدرسة شريفة، بضغطة زر، فقدت الثقة  في مدرسين طالما آزرتهم، تخلوا عنها في أوج شدتها،  وصدقوا ما راج عنها، وكأنهم ينتظرون الفرصة المناسبة ليروها منكسرة، مشبوهة، يحيط بها العار، وهي المدرسة التي طالما دافعت أمامهم عن شرف المهنة، وصمت آذانهم بضرورة  التحلي بالضمير المهني، وكم ينتعش العديد منا عندما تسقط القدوات.

لم تندم على ما مضى من عمرها في مهنة المتاعب والنبل، محتسبة أجرها عند ربها، ولكنها عاجزة عن الاستمرار ، الأمر أقوى منها، حتى لو اعتذر لها وزير التعليم  شخصيًا، فلا شيء سيجبر كسرها، ولا طاقة لها للوقوف مرة أخرى في الفصل بعد الفضيحة المدوية،  التي لا زالت تكتسح كل وسائل التواصل الاجتماعي، حتى بعد الحكم بالبراءة، انتهى الأمر. 

إقرأ أيضا أزمة التربية والتعليم  

 


تعليقات

تعليق واحد
إرسال تعليق

إرسال تعليق