أزمة التعليم المغربي: بين مطرقة الخريطة المدرسية وسندان الخوصصة
تقديم (أزمة: الخريطة المدرسية)
لقد أنشأ التعليم العمومي دوما، ولازال ينشئ أطرا متميزة في عدة مجالات، الطب، الهندسة، التعليم، المحاماة، القضاء...ورغم المحنة التي يعيشها مازال قطاعا منتجا فاعلا، بل مازال منقذا لفئات كبيرة من المجتمع، من براثين الجهل والأمية، وهو الذي يحافظ على استقرار البلاد وأمانها وتقدمها.
![]() |
أزمة التعليم المغربي |
1- التعليم المغربي العمومي لازال يكافح(أزمة:الخريطة المدرسية)
التعليم العمومي لازال يكافح و يقاوم بكل هيئاته التربوية والإدارية، لينشئ لنا مواطنا صالحا، رغم رداءة بعض المقررات و تقادمها، وعدم مسايرتها خط الزمن المتسارع، يقاوم رغم افتقار أغلب مدارس الدولة، للوسائل والآليات التي تحفز المتعلم على المواكبة، ومسايرة عصره.
يقاوم رغم غياب رؤية واضحة وبرنامج مسؤول يخطط لتعليم متقدم، إذ لازلت فئة عريضة من أطر التدريس، جزاهم الله خيرا يناضلون، ويحسنون من طرق أدائهم، ليصلوا بالمتعلم إلى بر النجاة، يتحدون الواقع التعليمي المرير، ليساعدوا هذا المتعلم على الصعود في سلم النجاح، رغم الاكتظاظ، رغم ضعف مستوى التلاميذ، رغم فقر الأطر الإدارية، رغم ...
الخريطة المدرسية تسببت في فشل المنظومة سنوات طويلة(أزمة: الخريطة المدرسية)
لقد قتلت الخريطة المدرسية المنظومة التربوية سنوات طويلة في المغرب، و أحبطت كل الآمال و الأحلام في التفوق الدراسي، ونجاح النموذج التربوي، لقد كانت هذه الخريطة المدرسية سببا جوهريا في سلب روح التعليم والإجهاز عليه، لأنها حكمت على المتعلم بالفشل، وحكمت على المدرس بالموت البطئ، فكيف يعقل أن ينجح المتعلم في سنوات الابتدائي بمعدل 03 /10، استجابة لمتطلبات الخريطة المدرسية، و عندما يصل إلى الإعدادي، يجد هذه الخريطة المدمرة تنتظره لتجهز على ما تبقى من قدراته، فينجح في مستوى الأولى إعدادي و الثانية إعدادي بمعدل 05/20، و في مستوى الثالثة إعدادي، وهي سنة إشهادية، يحصل المتعلم بموجبها على شهادة التعليم الثانوي الإعدادي، يسمح له بالنجاح بمعدل08,5 :/20، وقد استمر الأمر سنوات طويلة ولم يتم التراجع عنه نسبيا إلا في الخمس سنوات الأخيرة، فرغم إقرار معدل 10/10 للنجاح في أي مستوى دراسي، إلا أن التلاعب بالمعدلات، ومطالبة بعض الإدارات بنفخ النقط في العديد من المؤسسات لتحقيق النجاح المطلوب، والانسجام مع متطلبات الخريطة المدرسية، لا زال قائما.
2-الخريطة المدرسية تقتل روح الاجتهاد والتفوق العلمي لدى المتعلم والمدرس(أزمة: الخريطة المدرسية)
تسببت هذه الكارثة المدمرة، المسماة بالخريطة المدرسية، في معاناة كل من المتعلم والمدرس في آن واحد، لأن التلميذ يصعد في سلم التمدرس، دون استحقاق فيراكم الفشل تباعا، ولا يسمح له بالتكرار لتدارك النقص في التحصيل الدراسي. أما التلميذ المستحق للنجاح، فيجد نفسه يغني خارج السرب، لأنه لا يجد مجالا للمنافسة، فتحبط عزيمته للجد والاجتهاد، ويقتل طموحه في مهده، و نفس المعاناة يتكبدها المدرس لأنه يجد نفسه في مأزق كبير، فالمتعلمون لا يتوفرون على الآليات الأساسية للتواصل واستيعاب المعارف والمعلومات الجديدة، فلا يسعفه الوقت للرجوع إلى الخلف لتدارك ما فات لأن الأمر يحتاج إلى وقت طويل، كما لا يتمكن من تبليغ المعلومات الجديدة وترسيخها، لأن المتعلم لا يساير، ويفتقد آليات التواصل، لأنه ضحية الخريطة المدرسية. أمام كل هذا يجد المدرس نفسه محبطا في التعليم العمومي، لأنه لا يمتلك وسيلة لإنقاذ ضحايا التعليم، الذين قضت عليهم الخريطة المدرسية، لأنها مكنتهم من الصعود في سلم التدريس دون مستوى مقبول، فبالأحرى أن نتحدث عن مستوى جيد.
3-كيف تدفع الخريطة المدرسية المتعلم للغش في الامتحانات؟(أزمة: الخريطة المدرسية)
وتكمن المهزلة الكبرى ومأساة المتعلم عندما يجد نفسه مطالبا في مستوى البكالوريا بالنجاح بمعدل مقبول 10/20، فيجد أنه لا يتوفر على أسلحة علمية، أوآليات ذهنية ولا مهارات معرفية، لأنه وصل إلى هذا المستوى دون استحقاق، وصل مدفوعا بالخريطة المدرسية، لهذا تجده مقتنعا تماما أنه لن يحرز على شهادة البكالوريا إلا بالغش. فيجند كل الوسائل غير المشروعة للنجاح، لتستمر المعاناة في الجامعة، لأنه لا يتوفر على مستوى جيد يؤهله لمسايرة الدراسة والبحث، فيضطر للتوقف عن الدراسة، بعد هذا المسار الطويل، و ليس في جعبته إلا القليل الذي حارب به الأمية، عوض أن يوجه التوجيه الصحيح، منذ سنوات الابتدائي بتوجيهه نحو التكوين المهني المناسب، بدل أن يضيع كل هذه السنوات المهمة من عمره، دون فائدة.
و المؤسف في الأمر أن تجد مدرس كل مستوى يلعن مدرس المستوى السابق قبله، و كأنه المسؤول عن تدهور مستوى المتعلم، فأساتذة التعليم الإعدادي يعتبرون أن أس المشكلة هو التعليم الابتدائي، في حين يعتبر أساتذة التعليم الثانوي أن أساس المشكل هو عدم قيام أساتذة التعليم الإعدادي و الابتدائي بدورهم على أحسن وجه، متجاهلين بقصد أو بغير قصد جوهر المشكل، المتمثل في إملاءات الخريطة المدرسية.
4-مأساة نغض الطرف عنها ونتهم المدرس ! (أزمة: الخريطة المدرسية)
إنها مأساة نغض الطرف عنها، و نسلط الضوء على المدرس، وكأنه سبب المشكلة، وأس الفساد، نحن لا ننكر أنه قد يكون لبعض المدرسين يد في الإساءة لهذه المهنة المقدسة، لكن أثرهم يبقى محدودا، مقارنة مع تأثير هذه البرامج الكارثية، التي تفرض من فوق، و التي تضعف مردودية التعليم و تنزل به إلى أسفل الدرجات، ولولا المجهودات الجبارة التي يقوم بعض المدرسين الشرفاء الذين يقدسون الواجب، و يتقون الله في هذه الأمة، لتم الإجهاز نهائيا على المدرسة المغربية، التي يجدر بها مراجعة برامجها ومخططاتها العشوائية، للمحافظة على شرف التعليم الجيد للجميع، والحرص على القضاء على الخريطة المدرسية نهائيا، والبحث عن بدائل أخرى، للمحافظة على مستوى جيد للمتعلم، للحفاظ على المنافسة الشريفة، وتحسين مردودية التعليم العمومي، عوض أن يتحول هذا الأخير إلى مركز لتكريس التخلف، و المساهمة في تدهور البلاد.
5-هل التعليم الخصوصي هو البديل؟(أزمة: الخريطة المدرسية)
لهذه الأسباب و لغيرها تجد الآباء مضطرين للبحث عن البديل، فيلجؤن إلى التعليم الخصوصي، الذي تحول اللجوء إليه من ترف اجتماعي، إلى ضرورة حتمية، تنهك جيب المواطن المغربي، وتستنزف طاقته المادية والمعنوية، بل تضطره لتحديد نسله، لأنه لا يستطع أن يوفر مصارف التعليم الخاص لأكثر من ابن واحد أو اثنين على الأكثر، و رغم هذه الاحتياطات، تجد أن هذا التعليم الخصوصي يغرقه في يم من الديون التي لا تنتهي، وما يرغمه على ذلك أنه يشعر أن التعليم العمومي، مغامرة غير محسوبة العواقب، فهو يعتقد أنه على الأقل، سيضمن في هذا النوع من التعليم حدا أدنى من المنافسة لابنه، رغم أنه يعرف يقينا أن الأساتذة الذين يدرسون ابنه في التعليم الخصوصي، هم أنفسهم من يدرسون في التعليم العمومي، مما يؤكد بشكل قاطع، أن المشكل الحقيقي يكمن في المخططات الفاشلة المفروضة على المدرسة العمومية.
5-التعليم الخاص لا يتميز بجودة عالية(أزمة: الخريطة المدرسية)
رغم هذه العبء المادي، المفروض قسرا على الآباء في التعليم الخاص، فأبناؤهم لا يحصلون على تعليم متميز، مختلف، يؤهل قدرات المتعلمين، وينحو بهم نحو الإبداع، والتميز، لأن البرامج و المقررات، هي نفسها المعتمدة في المدرسة العمومية، وتدرس بنفس الطريقة والأسلوب، الفرق الوحيد، يكمن في التنظيم، والمراقبة، والمنافسة، وتكثيف ساعات الدراسة... والأخطر من كل ذلك، هو أن هذه المدراس الخصوصية، تحولت مع مرور الزمن من مركز لتقديم الجودة والتميز في التعليم، إلى مركز للمتاجرة بالنقط خاصة في مستوى الثانوي التأهيلي، في ظل غياب رقابة الوزارة المسؤولة والهيئات المعنية، الأمر الذي زاد من محنة التعليم، فأضحينا نرى معدلات ملفقة مرتفعة، فاقدة للمصداقية، مما انعكس سلبا على أبناء الفئات البسيطة، التي تدرس في التعليم العمومي، إذ رغم كفاءتها العالية تجد نفسها خارج المنافسة، مما يحول دون تحقيق أحلام و طموحات هذه الفئات التي تكبدت المشاق، وتحدت الفقر، والتي لا تجد لنفسها مكانا في معاهد الدولة العليا، لأن هذه الفئة مع الأسف، ضحية التعليم النخبوي.
7-التعليم الخاص عمق محنة أبناء الشعب(أزمة: الخريطة المدرسية)
لقد عمق التعليم الخصوصي محنة أبناء الشعب، سواء على المستوى المادي أو المعنوي، بل ساهم بشكل مباشر في انعدام تكافؤ الفرص، وتحول معه التعليم، إلى تجارة خاضعة لمبدأ الربح المادي الصرف، بعيدا عن تحقيق أية جودة، بل خفف عبء الدولة، و رفع عنها بعض تبعات القطاع غير المنتج، والذي يستنزف ميزانيتها، فله كل الأجر والثواب، و على أبناء المغاربة السلام، في الوقت الذي يفرض المطالبة بتحسين أداء المدرسة العمومية، وتجديد برامجها ومخططاتها للنهوض بواقع التعليم المتردي، لأن التعليم الجيد والمجاني، هو حق كل مواطن، كما هو الشأن في الدول التي تحترم مواطنيها ، أما أن تكون قشة النجاة، هي التعليم الخصوصي، فبئس المنقذ وبئس البديل، لأنه حل أناني، يدعو للخلاص الفردي، كما أنه لا ينتج التميز ولا يزكي الإبداع لدى المتعلم.
تعليقات
إرسال تعليق