ماهي المدرسة المناسبة لأطفال التوحد؟ (تجربة أب)
تقديم:(أطفال التوحد والمدرسة)
التوحد هو اضطراب عصبي، يرتبط بنمو الدماغ، ويؤثر على طريقة تمييز الشخص للآخرين، كما يؤثر على سلوكاته وتصرفاته، وتواصله مع الآخرين، وتعلمه المدرسي، بمعنى آخر يؤثر على تفاعله وتواصله الاجتماعي، وأسباب التوحد لازالت غير معروفة، غير أن هناك من يرجعها لعوامل جينية أو لعوامل بيئية.
معاناة الآباء(أطفال التوحد والمدرسة)
إن ما يعنيه آباء الأطفال المصابين بالتوحد هو إيجاد المدرسة المناسبة لأطفالهم، حتى لا يعانوا من مشاكل نفسية وعصبية، تزيد حدة توترهم واضطرابهم، إذ أن هناك آباء كثيرين يفتقدون فرصة إيجاد مدرسة تراعي التنوع العصبي لدى الأطفال، مما يعد مسالة حاسمة في تطورهم ونموهم الطبيعي الذي يحتاج دعما خاصا، ورعاية محدد، كما أن توفير هذا النوع من التربية الخاصة يعد حقا من حقوق الإنسان التي لا غنى عنها.
ما الذي يهمله بعض الآباء والمدرسين؟(أطفال التوحد والمدرسة)
هناك آباء يرسلون أبناءهم للمدراس العمومية، دون أن يشخصوا حالة أبنائهم واحتياجاتهم العصبية والنفسية، ويهتمون في بداية الأمر بشراء كتبهم، وإعداد وجباتهم المدرسية الخاصة بهم، والتقاط صور اليوم الأول من الدخول المدرس، دون أن يعيروا اهتماما للأشخاص الذين سيتكلفون برعايتهم، هل سيعملون على رعايتهم وحمايتهم بالطريقة المناسبة؟ علما أن المدرسين يهتمون أكثر بالأطفال الذين يسايرونهم في تعلماتهم، ويستمعون كلامهم، أما الأطفال الصغار المصابين بالتوحد، مع جهل المدرس بذلك، يعانون من الرفض والإقصاء.
تجربة أب مع مدرسة أطفاله التوحديين(أطفال التوحد والمدرسة)
سنقدم هنا تجربة حية لأب يعاني أطفاله من التوحد مع المدرسة ، وهو أب يعيش في "ولاية كوينزلاند"، وهي ولاية تقع في شمال شرق استراليا.
يقر الأب أنه عندما شرع في اختيار مدرسة لأولاده ، قبل تشخيصهم بالتوحد، ركز في بحثه عن مدرسة تتمتع بسمعة طيبة وتتوفر على أطر تربوية جيدة، لكنه في ذلك الوقت ، لم يكن يدرك أن التركيز على هذا الاختيار فقط، سيكلفه الشيء الكثير.
1- أصبحت المدرسة مصدر قلق لأطفاله(أطفال التوحد والمدرسة)
بعد تشخيص أطفاله رسميًا بالتوحد، لم يعرف الأب أن سبب عودة أبنائه من المدرسة قلقين، وفي حالة انهيار تام، سببه الأساسي هو البيئة المدرسية، وغياب الدعم التربوي الخاص بهم كأطفال يعانون من التوحد، لأن الأطفال كانوا يخفون معاناتهم المدرسية بشكل جيد. ورغم أن الأب كان يتابع حالة أبنائه عند أخصائيين في النطق، وأخصائيين نفسانيين في التوحد، ويوفر لأبنائه بيئة منزلية مناسبة، إلا أنه لاحظ استمرارية حالة القلق والانهيارات النفسية المرتبطة مباشرة بالمدرسة، قد استمرت وازدادت حدتها، إلى أن عبر طفله الأصغر ذات مرة، عن الضوضاء التي تغمره وتضايقه، ولا تسمح له بغناء النشيد، وكيف طرد من الحصة ذلك اليوم، كعقاب لعدم أدائه النشيد المطلوب، وقد كان مسموحا للأساتذة معاقبة الطفل بإخراجه من الفصل، الأمر الذي زاد حدة انهيار الطفل وقلقه، فلا يزال أمام العديد من المدارس صعوبات لفهم كيفية تعليم الأطفال المصابين بالتوحد، ويجهلون كيفية التعامل معهم.
2- مطالب بإنشاء أقسام التربية الخاصة(أطفال التوحد والمدرسة)
حاول الأب أن يطالب رفقة مجموعة من الآباء بإنشاء قسم التربية الخاصة بالمدرسة ، من خلال تنظيم اجتماعات وتقديم اقتراحات بشأن التسهيلات التي من شأنها أن تساعد الطفل الذي يعاني من التوحد، غير أن طلباتهم قوبلت بعدم المرونة والرفض.
3-اختيار مدرسة مناسبة لأطفال التوحد أمر صعب(أطفال التوحد والمدرسة)
يقر الأب بأنه بحث على الفور عن ترتيبات تعليم بديلة، ليستدرك النقص الكبير والمستمر في دعم الأطفال التوحديين في المدرسة الأولى، فقد بدل جهدا كبيرا لإنقاذ أطفاله من القلق والانهيارات النفسية المتكررة، وتساءل عن المكان الجيد، والمدرسة المناسبة لأطفاله، وهي معلومات من الصعب حقا الحصول عليها. وقد كافح وبحث وتقصى في العديد من المدارس باحثا عن المدرسة المناسبة التي ستوفر بيئة آمنة وتفي باحتياجات أطفاله.
4- تجارب مماثلة(أطفال التوحد والمدرسة
ولما شارك الأب قصته في مجموعة دعم عبر الإنترنت لأولياء أمور الأطفال المختلفين في الأعصاب، أو التوحديين، اكتشف أن العديد من العائلات مرت بتجارب مماثلة ولحسن حظه، وبعد العديد من المحادثات مع هؤلاء الآباء، والبحث المضني لإنقاذ أبنائهم ، وجدوا مدرسة تقدم نفسها على أنها بيئة شاملة وآمنة لأطفال التوحد.
6- العثور على المدرسة المناسبة(أطفال التوحد والمدرسة)
بعد إيجاد المدرسة الجديدة المناسبة ، بدا واضحا الفرق الشاسع، بسرعة كبيرة، لأن النهج كان مختلفًا تمامًا، والوسائل كانت مختلفة، وكان الدعم جيدا، فقد استمعوا وتفهموا حالة أبنائه، ودعموهم، وكانوا عمليين، واقعيين فيما يتعلق بالدعم الذي يمكنهم تقديمه بالموارد التي لديهم.
7- ما الذي وفرته المدرسة لأطفال التوحد(أطفال التوحد والمدرسة)
وفرت المدرسة فريق دعم شامل، قدم المساعدة المباشرة للأطفال داخل الفصل الدراسي. حيث قدموا دعامات للحركة ومعينات بصرية، ووجد الأطفال وسائل يمكن استثمارها، وأدوات مساعدة مثل أدوات حركة وتململ، وسماعات تزيل الضوضاء، وغرف دعم حسي يستعملونها متى احتاجوا لذلك، وكل هذه الوسائل تسمح للطفل المصاب بالتوحد بالحفاظ على التوازن والتنظيم والتركيز.
تستخدم المدرسة كل هذه الوسائل والأدوات داخل الفصل الدراسي بأكمله، بحيث يمكن لأي طفل الاستعانة بالوسائل الحسية أو غيرها من الأدوات في أي وقت ، خاصة إذا كان يمر بلحظة صعبة ويحتاج إلى بعض الدعم العاطفي، من خلال توفير كل وسائل الدعم داخل الفصل للطفل الذي يعاني من التوحد، وقد ظهر للأب أن الفريق التربوي والأطر الإدارية تعمل جاهدة لخلق ثقافة التنوع والقبول.
8- التغيرات التي ظهرت على الأطفال التوحديين(أطفال التوحد والمدرسة)
بوجود فصل دراسي مناسب في المدرسة الجديدة أقر الأطفال حسب الأب بسعادتهم، وأنهم لم يكونوا على طبيعتهم من قبل، لقد بدأوا يشعرون بالأمان، وأنهم الآن فقط داخل هذه المدرسة، يشعرون بالأمان والطمانينة، والاستقرار النفسي والعاطفي، كما لاحظ الأب تحسنا كبيرا في حالة أبنائه، حيث هدأ قلقهم وأصبحوا يشاركون بحماس في المناهج الدراسية، ويستوعبون دروسهم بشكل جيد.
ماذا استنتج الأب؟(أطفال التوحد والمدرسة)
استنتج الأب في الأخير أن كل ما مرت به عائلته طيلة الثلاث سنوات الماضية، فيما يخص تجربته مع المدرسة، يؤكد ضرورة الاهتمام بالتربية الخاصة لأطفال التوحد، بدل دمجهم في مدارس عامة مشتركة، وحتى إذا كانوا في مدرسة عامة، تجمع كل أنواع التلاميذ، فلابد من توفير أقسام خاصة للأطفال الذين يعانون من التوحد، توفر وسائل خاصة بهم لدعمهم نفسيا وحسيا وحركيا، للتخفيف من توترهم وعصبيتهم الزائدة، وتجنيبهم الانهيارات العصبية، وكذا دعم تعلماتهم، وتحديد السبل المناسبة لهم للتواصل مع المناهج الدراسية واستيعابها.
أما في يتعلق بالمدرسة الأولى، التي فشلت في إدماج الأطفال الذين يعانون من التوحد، فقد خضعت لتغيير في القيادة مع مؤشرات على نهج جديد لقضايا الشمولية، ومحاولة إعداد أقسام التربية الخاصة.
اقرأ أيضا كيف يضر التنمر المدرسي بالأطفال
ختاما(أطفال التوحد والمدرسة)
بناء على ما سبق نستنتج من تجربة هذا الأب ما يلي:
- أن التربية الخاصة ضرورية لأطفال التوحد، مدرسة تتوفر على أطر تربوية مؤهلة مهنيا وتربويا للتعامل مع كل حالة على حدة، على اعتبار أن أطفال التوحد مختلفين في نوعية حالتهم العصبية والنفسية والتعلمية.
- التربية الخاصة لأطفال التوحد تتطلب التوفر على معدات ضرورية وأجهزة وأدوات، تدعم الطفل نفسيا وعاطفيا وعقليا، لتجاوز صعوباتهم، وتتناسب مع خصوصية حالتهم.
- الأسرة نفسها تسعى لتوفير فضاء مناسب يدعم الطفل ويحقق له الأمن النفسي، مع المتابعة الطبية اللازمة عند المتخصصين.
- يمكن للمتعلم من الأطفال التوحديين أن يدرس في مدرسة عمومية شاملة، شرط توفرها على أقسام تقدم تربية خاصة تناسب هؤلاء الأطفال.
- يجب توفير أقسام التربية الخاصة بأطفال التوحد في كل مدرسة عمومية في دولنا العربية، حتى لا يضطر الآباء لتغيير المدينة أو البلد بحثا عن تعلم مناسب لابنه المصاب بالتوحد، أو البحث عن مدارس خاصة تكلفهم أموال طائلة لا طاقة لهم بها.
تعليقات
إرسال تعليق