القائمة الرئيسية

الصفحات

الزلزال والأوهام (قصة قصيرة)

 قصة قصيرة: الزلزال والأوهام 

الزلزال والأوهام

 لطالما ارتعبت من ذكر الزلزال، كم مرة تخيلت وقوع السقف على رأسها عل حين غفلة من الزمن، كم مرة حلمت به، كم مرة توقعت حدوثه، تخيلت بشاعته، ولكنه اليوم حقيقة لا خيال.

"اهربوا اهربوا ستقع العمارة بعد لحظات"

هرعت حافية القدمين، وهي المرأة الأنيقة دوما، عارية الشعر،  وهي المستورة  دوما، مفزوعة الصدر، وهي الهادئة دوما، الشيء الوحيد الذي سحبته بيدها هو أمها، التي كانت برفقتها حينما سمعت بالخبر المشؤوم.

وقفت بجانب البحر المحاذي لمقر سكناها، وهي تتأمل العمارة التي بدأت في التهاوي أمام عينيها، والأسى يمزق أحشاءها ، الكل يهرب أمامها في اتجاهات مختلفة.

قالت لأمها مضطربة :

-"أمي لقد تركت كل شيء، تركت ذهبي، نقودي، ملابسي ، أوراقي الخاصة، شواهد عملي ! شواهد جامعتي!…"

ردت الأم بدموع منهمرة:

-" كيف تعودين وركام الزلزال يتهاوى؟وكيف تجدين ضالتك وسط الركام "

-"أخاف من اللصوص أن يسرقوا صندوق أمتعني الثمين"

-“يجب أن أعود، لأحمل أغراضا تعبت في اقتنائها وامتلاكها"

-"إنها مجرد أوهام بنيتي ، مجرد أوهام، أنت لم تملكي شيئا يوما، إنها مجرد أوهام"

-"لكن تحت الأنقاض يوجد ذهبي، ورقي، ملابسي، شواهدي، عصارة عمري"

"لا شيء هناك ابنتي ، الآن انت فقط من تتواجدين أمامي بالجسد والروح فقط بعد أن نجونا بفضل الله. أما لو هلكنا حتى الجسد سيبقى تحت الركام ولن تصعد إلا أرواحنا"

-" وماذا نملك في هذه الحياة إذن؟"

-"لا شيء بنيتي، الكل مؤقت، الذهب والسكن والمال وحتى الجسد…"

-"يجب أن أعود أمي ، صندوقي الثمين في خطر ، وإلا كيف نعيش بلا مال، بلا وثائق، بلا هوية!"

انظر ايضا : اللعبة الماكرة

 

سنبدأ من جديد، و كأننا ولدنا اليوم، عندما يولد الطفل بنيتي نحن من نصنع له هوية، والآن يجب ان نصنع لأنفسنا هوية ، ولنبدأ من جديد"

لم تكترث لكلام أمها، بل عادت أدراجها تتسلل بين الركام ، تتفحص آثار صندوقها الثمين، آثار أوراقها النفيسة، آثار ذهبها الرفيع. اخترقت الزحام في حين غفلة من الجميع ، دخلت وسط الهياكل والأتربة، تتبعت آثر حاجياتها علها تعثر على صندوقها الثمين ،  نعم لقد لمحته، قريبا منها، اقتربت منه أكثر فأكثر، إنه هو صندوقها الثمين، لن تخرج من ماضيها خاوية الوفاض، لا يمكن لزلزال طارئ أن يسرق تعب سنينها الماضية. مدت يدها لتتلمسه وهي حافية القدمين، عارية الشعر والجسد، لا يسترها إلا القليل من الملابس، غير أنها تفاجأت بمشهد مروع، مشهد جمد الدم في عروقها، وزلزل الأرض من جديد تحت أقدامها، يد خفية تهوي بصندوقها إلى القاع، تهوي به إلى الأسفل، كأنها بالوعة ماء، كأنها يد لص محترف،   تسحبه بقوة إلى الأسفل، فصعقت للمشهد البشع ، التفتت يمينا ويسارًا ، ولسان حالها يقول:

" أ بين الركام يوجد لصوص؟"

فعلا إنها لا تملك شيئا اليوم ، ولم تملك شيئا في الماضي القريب أو البعيد، إنها مجرد أوهام، كل شيء ينتهي في لحظة غير أن اليد الخفية التي سرقت أحلام عمرها، وتعب سنينها لم تكن أبدا يد الزلزال، إنها بلا شك، بلا منازع، يد لص محتال أبى إلا أن يسرق بين الركام، وفي عمق الزلزال.

.

 انظر ايضا: الزلزال

تعليقات