قصص الأطفال:هذه هي اللعبة الإليكترونية الماكرة، التي انتصرت للضعفاء ( قصة سلطة الحمار على الأسد)
1- بطلة الألعاب الاليكترونية (انتصرت للضعفاء)
لم تتوقع زينب يوما أن تصبح بطلة الألعاب الإليكترونية، ويشاهدها ملايين الأطفال في العالم، لقد كانت مجرد لاعبة هاوية لا أقل ولا أكثر، فكيف تحولت بهذه السرعة المذهلة إلى بطلة مشاركة في أعقد الألعاب؟ تجني من ورائها الأموال الطائلة. إنه أمر لا يصدق ولو في الخيال، ولكنه حقيقة، فعندما تكون حياتنا القصيرة زمنا عميقة عطاء وأداء، قد تحدث أشياء تفوق توقعنا، وتتجاوز كل أحلامنا، وربما نستغرب نحن أنفسنا من النتائج المذهلة التي نحصدها، ولا يحدث هذا إلا إذا قررنا أن نشرع في الخطوة الأولى، ثم الثانية، فالثالثة... لتكون بعد ذلك النتائج المذهلة. توقعت زينب أشياء جميلة وغريبة، وقعت بالفعل، لكن الذي حصل في تلك الليلة الباردة من أيام دجنبر، فاق كل توقعاتها، وقلب كل مخططاتها، فما الذي حدث يا ترى؟
![]() |
اللعبة الإليكترونية التي انتصرت للضعفاء (قصة سلطة الأسد والحمار) |
2 - زينب تحرك اللعبة الاليكتروبة كما تشاء (انتصرت للضعفاء)
كانت زينب ساهرة كعادتها، تمارس ألعابها في هدوء، لأن الليل يعطيها طاقة للإبداع بسكونه السرمدي، ووقاره المبجل، ومن الألعاب المفضلة التي اختارت ولوجها تلك الليلة، لعبة تحريك الحيوانات في اتجاهات متعددة، لعبة تنبني على الصراع والعراك بين الحيوانات، حيث ينتهي الصراع دائما بانتصار الحمار على الأسد، وفي كل مرة يرجع الأخير إلى عرينه مهزوما ذليلا، تستهزي من كل حيوانات الغاب. كل ذلك بسبب زينب التي تعشق كائنا لطالما احتقره الناس زمنا وأذلوه عمرا، فكان مثار السخرية في حكاياتهم الشعبية، ونكتهم اليومية، فهو رمز الغباء والبلادة، وعنوان الحقارة والاستهزاء، حتى أن الشتيمة القاسية لا تبلغ أوجها، ولا تصيب كالسهم صاحبها إلا إذا حملت لفظ الحمار، أما بالنسبة للأسد فهو اسم تتوج به رؤوس الرجال، والمدح لا يعلو بشأن صاحبه إلا إذا وصف بالضرغام الهمام. غير أن زينب قررت اليوم قلب الموازين وخرق المألوف، ولو من خلال لعبتها الإليكترونية البسيطة، التي أعادت الاعتبار لكائن مظلوم منذ غابر الزمان، إنه الحمار الذي أضحى منتشيا بانتصاراته الليلية على كائن حيواني طالما شكل رمزا للهيبة والإباء والصمود، ومجرد النطق باسمه، يثير الرعب في نفس البشر قبل جنسه من الحيوان "أسد".
3 -اللعبة الإليكترونية تغير أدوار الحيوانات (انتصرت للضعفاء)
قررت زينب في ألعابها تغيير هذه الصورة النمطية الظالمة التي قدست الأسد و حقرت الحمار، رغم أن الإنسان لم ير من الأسود إلا البطش والفتك والأنفة والمبالغة في الكبرياء، فهو عنوان للتباهي والقوة التي تعلو ولا يعلى عليها في قانون الغاب، ولم يقدم للبشرية أية خدمة تذكر سوى أنه كائن يحافظ على توازن الطبيعة، وإذا استأمنته يوما فاعلم أنك ستصبح حتما في خبر كان. أما الحمار فهو بالنسبة لزينب أرقى حيوان، كيف لا وقد كرس عمره لخدمة كائن جحود كالإنسان، يحمل أثقاله، وينقله من مكان إلى مكان دون أن يكل أو يمل، وفوق كل هذا وذاك كائن تأمنه على نفسك وولدك، فلا يغدر بك مهما كان. لقد آن الأوان بالنسبة لزينب ليرد الاعتبار لكائن مهمش مثل الحمار، ولو في ألعاب إليكترونية موجهة للأطفال، عسى أن يتغير الحال.
4 - دخول إلى أعماق اللعبة الإليكترونية (انتصرت للضعفاء)
أ- أمتنان الحمار للعبة الإلكترونية التي نصرته
(انتصرت للضعفاء)
في كل ليلة تحرك زينب لعبتها الشيقة في نفس الاتجاه، متوخية تحقيق نفس الأحلام الوردية، غير أن ما حدث تلك الليلة كان صادما للغاية، لقد تفاجأت زينب بحدث عجيب، فبينما تلعب كعادتها اليومية، إذا بها تسحب بقوة عجيبة داخل لعبتها الإليكترونية، لتصبح بطلة مشاركة من الداخل، لم تصدق نفسها كيف حدث ذلك وهي المتحكمة في لعبتها، أضحت دون إرادتها داخل قفص اللعبة رسميا، تتحرك وسط الغابة مع الحيوانات التي نسجتها من وحي الخيال. وجدت نفسها رأسا لرأس أمام الحمار، الذي دلف نحوها مبتهجا وقال بصوت فيه نبرة امتنان واضحة:
-" سيدتي الفاضلة، انحني قليلا لأقبل رأسك، فمهما فعلت، لن أرد لك جزء بسيطا جزاء ماقدمته لي"
افتر ثغر زينب عن ابتسامة عريضة، وقالت بصوت هادئ:
-" لماذا الإنحناء يا أيها الحيوان الخدوم، أنا من ينحني احتراما وتقديرا لمسارك الطويل في خدمة الإنسان، دون عنت أو شكوى أو حتى تضجر أو ملل".
-" لقد حققت لي حلما لم أتجرأ على رؤيته حتى في المنام، أنا الحمار المهان، أتحول إلى حيوان ذو همة وشأن، لقد أعدت لي اعتبارا لم يكن في الحسبان، فهزمت الأسد الذي علا شأنه في كل مكان وزمان، وتحولت أنا الحمار المعروف في التاريخ بالجبان، إلى أعتى الشجعان، وأضحى كل من في الغابة يهابني ويحسب لي ألف حساب".
-" ثق بنفسك أيها الحمار، فمهما قال عنك الإنسان، ومهما اعتقد عنك الحيوان، أنت من يقدر قيمة نفسه أكثر من أي كائن مهما كان، وعندما تدرك قوتك الكامنة في أعماقك، وتعتقد يقينا أنك لست أقل من أي حيوان، حتى لو كان أسدا يهز زئيره المكان، حينها ستسأسد أيها الحمار ولن يهزمك أحد من الحيوان أو الجان"
-"كلمات بليغة يا زينب، ولها تأثير عميق في الوجدان، ليثني أدركتها في ما مضى من الزمان، ما عشت ذلة ولا هوان، ولكن لا بأس، فالتغيير ممكن في أي آوان، ومهما تأخر الزمان، المهم أن يتغير التفكير وجوهر كائن من كان، ليتغير الحال إلى أحسن مما كان".
- " الآن صار بوسعك أيها الحمار السعيد، القوي بنفسه، العتيد، أن ترشح نفسك لتصبح حاكما للغابة بعد أن أوى الأسد إلى عرينه مهزوما مدحورا، فاقدا للسلطة وعلو المقام. وسترى أن كل حيوانات الغابة ستقبل بانتخابك على اعتبار أنك أصبحت القوي ذا الصولجان"
-" ممتن لك يا زينب العظيمة، على كل ما قدمته لي، ومهما فعلت لن أوفيك حقك، لقد حولتني من حال إلى حال، وغيرت مجرى الزمان، وأنا من كنت أعتقد أن الاستحمار قدر للحمار، والاستئساد أهل بكل سبع من جنس الحيوان، لكني أدركت معك أن كل ذلك من صنعنا بما اعتقدناه في ذهننا، وأن من الأحوال ما يتغير بإرادة الحيوان، أنت بادرت، ومن اليوم أنا من سأعلن الصمود حتى الإنتصار".
ب- حسرة الأسد المنكسر بسبب اللعبة الإليكترونية التي انتصرت للحمار
(انتصرت للضعفاء)
اتجهت زينب نحو عرين الأسد المهزوم، غير آبهة بما سيقع لها من لوم وعتاب، أو ربما انتقام، دخلت فوجدت الأسد جالسا منكسرا، تغتاله الحسرة ويقتله الذل، سألها الأسد بعينين دامعتين:
- لماذا أهنتني بهذا الشكل المقيت، لقد حطمت كبريائي، وضربتني في مقتل عندما جعلت الحمار المهان، ينتصر على الأسد الهمام، كيف يهزمني وأنا الأسد الذي يهابه الإنسان قبل الحيوان؟
جلست القرفصاء بجانبه، وربتت على وبره الناعم، وقالت بشموخ:
- كفاك غرورا أيها الأسد المغرور، أما آن الآوان لتتواضع قليلا، وتعترف بضعفك وقلة حيلتك، ولو مرة واحدة، ما جعلك تستأسد على الإنسان قبل الحيوان، قد لا يرجع أساسا لقوتك الجبارة، بل إلى التمثل المبجل الذي نسجوه حولك، طيلة هذه السنين، وانتصارك المتكرر مبعثه هذه الصورة التي رسموها عنك، لا قوتك، وعندما تتغير هذه الصورة يتغير كل شيء."
-انتبهي لأفعالك يا زينب، لقد حطمت القواعد وكسرت الأعراف والتقاليد، عندما ساعدت الحمار على الانتصار، لقد خرقت بفعلك الهجين هذا قوانين الطبيعة، وضربت عرض الحائط ماضي الأسود الحافل بالأمجاد."
-" ألا يعتبر الحمار حيوانا شانه شأنك؟ أليس من ملتك من الحيوان؟ لماذا يبقى مظلوما أبد الدهر؟ أليس من حقه أخذ فرصة ولو لمرة واحدة ليغير حاله، ويختبر قدراته في السلطة والسيادة، فبالتجربة تصقل الخبرة، وقد آن الأوان لتبادل الأدوار، لأن دوام الحال من المحال."
نظر الأسد لزينب نظرة اليائس الحزين، وكأنه أدرك أنه عبثا يحاول إقناعها، وأنه لن يعود لسالف عصره مهما فعل، فاغمض عينيه إيماء باستسلامه لقدره المحتوم، كيف لا؟ وزينب هي المتحكمة في مصيره، عبر لعبتها اللعينة، التي تديرها كيفما تشاء.
5- نهاية اللعبة الإليكترونية الماكرة التي انتصرت للضعفاء
غالب زينب النعاس، فأغمضت جفنيها برهة لترتاح من عناء هذا اليوم الشاق، تمددت بجانب الأسد المهزوم، دون أن تهابه أو تخافه، لأنها تعلم يقينا أن قواه قد خارت، ولم يعد باستطاعته البطش ولا الفتك بأحد، كيفما كان، كيف لا وهي المتحكمة في قوته، الموجهة لمساره، ورغم أنها أشفقت على حاله، إلا أن شيئا قويا في أعماقها يؤكد أنها لن تغير اللعبة مهما حصل، حتى لو غيرت موازين الطبيعة في لعبتها، عسى أن يتواضع الأسد يوما، وينزع عنه رداء الكبرياء، أو يسترجع الحمار قليلا من الثقة بنفسه بعد أن أحبطه التحقير ونالت منه الإهانة.
أغمضت عينيها بجانب الأسد الجريح، لتستسلم لنوم عميق، لم تستيقظ منه إلا على فراش نومها داخل غرفتها الصغيرة، واللعبة الإليكترونية بجانبها، وهي نفسها لا تدري ما الذي حدث؟ هل كان حلما أم حقيقة، لا يمكنها الجزم بأي شيء، غير أن ثغرها افتر عن ابتسامة ماكرة، وهي ترقب خيوط الشمس تتسلل إلى غرفتها الصغيرة في خجل.
تعليقات
إرسال تعليق