القائمة الرئيسية

الصفحات

قصص الأطفال: لا تغضبي أمي فالحياة دون رضاك جحيم: قصة زاز الذي تعلم الدرس

قصص الأطفال: لا تغضبي أمي فالحياة دونك جحيم: قصة زاز الذي تعلم الدرس 

إنه زاز القرد الشقي المحب للمغامرات (قصة زاز الذي تعلم الدرس)

إنه زاز القرد الشقي المحب للمغامرات، يتسلق الأشجار الباسقة ويداعب أغصانها، يأكل من جوزها، وحيدا يمرح محاولا ملء فراغ يومه، فهو يعيش في غابة شاسعة المساحة رفقة أمه مزوز الحنون، وأخيه زوز  الصغير الذي لازال رضيعا، ملتصقا بظهر أمه التي يعجز عن فراقها، لأنه لا زال غير قادر على الاعتماد على نفسه، كم تمنى زاز في أعماق نفسه لو كبر أخوه بسرعة ليشاركه اللعب، ويسابقه في تسلق الأشجار، أن يشاكسه ويخاصمه، ويثبت من خلاله قدرته على النزال والصراع، فيؤكد لأمه أن عظمه قد قوي، وأن عوده قد اشتد، وأنه قد خبر دروس الحياة. 

عائلة زاز تقطن وحيدة في الغابة الشاسعة، لأنها لم تكتشفها إلا حديثا، بعد أن هاجرت من غابة الأمازون الشمالية الآهلة بالأسود والحيوانات المفترسة، والتي راح ضحيتها أب الأسرة، بعد أن افترسه أسد ضخم، انقض عليه بغتة وهو في طريقة لتأمين قوت أسرته.



قصة زاز الذي تعلم الدرس



 

أم زاز تعنتي بزوز الصغير(قصة زاز الذي تعلم الدرس)

 

وبينما زاز يلعب في أنحاء الغابة، كانت الأم منشغلة طيلة الوقت بصغيرها زوز، ترضعه، وتعتني به، وترفع رأسها بين الفينة والأخرى لأعلى الشجرة لعلها تجد ما تسد به رمق ابنها الصغير لينام، ويمنحها فرصة التنقل لجمع المزيد من الزاد الكافي لسد حاجة الأسرة، فعلا لقد بقيت موزة واحدة عالقة في أعلى الشجرة، بعد أن استنفذت الأسرة الصغيرة كل الموز العالق في الأيام القليلة التي قضتها في الغابة. وضعت مزوز ابنها الصغير زوز أسفل الشجرة، وذهبت لتحضر الموزة المتبقية لتدهسها وتطعم بها صغيرها.

 

الخطر المحدق بأخي زاز(قصة زاز الذي تعلم الدرس)

 

 تسلقت الشجرة بسرعة فائقة، وبمجرد أن رفعت يدها لتقطف الموزة الوحيدة المتبقية، لمحت القرد الصغير "زوز" يتبعها محاولا بدوره تسلق الشجرة العالية، و"زوز" لا دراية له بتسلق الأشجار، خافت عليه من السقوط، فهبت مسرعة لنجذته دون أن أن تكمل مهمتها المتمثلة في قطف الموزة الوحيدة المتبقيىة، لم تأبه للمنزلقات المحيطة بها، ولا لكثافة الأغصان المحيطة، فقد اسرعت الخطى لعلها تدرك الصغير " زوز"  قبل أن يهوي على الأرض، غير أن من سقط على الأرض حقا هي، مزوز ذاتها لأنها أرادت أن تحرق المسافات للوصول إلى ابنها بأقصى سرعة ممكنة، فاستجمعت أنفاسها ولم تعبأ بالالم الذي أصابها جراء السقوط من أعلى، فنهضت مسرعة، واتجهت نحو ابنها الصغير زوز لتحمله بين يديها وهي في حالة خوف وفزع شديدين، فقد أنقذته بأعجوبة، وفي آخر لحظة، بعد أن بقيت يد صغيرة واحدة ممسكة بغصن الشجرة الرفيع، الذي انكسر بدوره، وكاد يهوي بالقرد الصغير أرضا، فعانقته وقبلته، محاولة التهدئة من روعه، ولسان حالها يقول

"الحمد لله على سلامتك يا طفلي الصغير، فداك روحي".

 

صدمة أم زاز(قصة زاز الذي تعلم الدرس)


وبينما هي على هذه الحال، تعانق ابنها باليد اليمنى، وتتحسس أطرافها التي توجعها بسبب السقطة باليد اليسرى، رمقت الطفل الأكبر زاز يأكل الموزة مبتهجا وملامح الفرحة والبهجة بادية على محياه، وهو يرمقها بمكر وفي عينيه نظرة فخر بالانتصار، وفي اللحظة والآن رفعت رأسها عاليا نحو الموزة اليتيمة المتبقية، إنها نفسها، لقد انتزعت من أعلى، وهي الآن في فم زاز  المفتخر بانتصاره.

راعها الأمر، لم تفهم شيئا، كيف حدث هذا، سألته بنبرة مستغربة:

-" زاز، هل تلك الموزة هي..."

ورفعت راسها مؤشرة للأعلى، ليفهم زاز حركتها،  فأمأ بالإيجاب، وقال مبتهجا:

-" نعم، هي، الموزة نفسها، لقد فزت بها..."

سألت الأم بامتعاض:

-" كيف ؟ ومتى؟، لم أنتبه إليك"

قهقه زاز بصوت عال وقال:

_" لقد كنت مشغولة بسقطتك، وبإنقاذ زوز، وأنا أسرعت في اللحظة ذاتها لأفوز بموزتي، إنها من نصيبي أنا...فأنت لا تهتمين إلا بزوز، أما أنا فمهمل لا قيمة لي" 

هنا شعرت مزوز بألم فظيع يعتصر أحشاءها، وكأن زاز يمسك بيده سكينا حادة ويمعن في طعن قلبها، ولسان حالها يقول: 

 أيمكن أن يكون زاز بهذه القسوة؟ أيمكن أن يكون  بهذا الجفاء؟ لم يفكر لحظة في إنقاذ أخيه الصغير، ولا فكر في دعمي أو مساعدتي عندما هويت على الأرض، بل فكر فقط في نفسه وغروره، ولتذهب هي وزوز إلى الجحيم.

 

ترى ماذا قررت أم زاز؟(قصة زاز الذي تعلم الدرس)

 

ألم كبير استوطن أحشاءها، فلم تعد تطيق رؤية زاز الأناني، الذي يصطاد في الماء العكر، ويستغل جرح أمه وقهرها ليستفيد ويملأ بطنه، وهنا قررت أن تتركه وترحل، ترحل بعيدا حيث لا ترى زاز القاسي مرة أخرى. رحلت مزوز والدموع تنهمر من عينيها بعد أن ألصقت طفلها الصغير في صدرها، وتركت زاز وحيدا يلعب ويمرح، ويأكل من نعيم الغابة.

لم يعبأ زاز في البداية لغياب أمه وأخيه، بل بقي يركض ويمرح، وينام وحيدا في الغابة المقفرة، غير أنه يوما عن يوم، بدأ يشعر بالملل والضجر، فقد افتقد شيئا عظيما في أعماقه، افتقد طعم السعادة، إنه حنان الأم الغائبة، ومشاكسة أخيه الأصغر، ودفء العائلة والجماعة، ما الذي غنمه من بضع موزات تملأ البطن، ولكن أين القلب والمشاعر؟ أين الحب والعواطف الصادقة؟ أين الاهتمام؟ فقرر أن يبحث عن أمه، أن يجدها بأي ثمن حتى لو عرض نفسه للخطر، حتى لو طاردته كل اسود الغابة، حتى لو تمكن منه أسد والتهمه مثل أبيه، فما قيمة الحياة دون أمه وأخيه؟ المهم أن يجد أمه وأخاه.


هل تعلم زاز الدرس؟ 


بدأ يبتعد رويدا رويدا عن مقره الأصلي، عن شجرة الموز الملعونة التي أفقدته طعم السعادة والإحساس بلذة الحياة، غير أن المفاجأة أن مزوز لم تكن بعيدة، لقد ظلت قريبة، تراقب طفلها زاز من بعيد، وهو يلعب في الغابة، وهو يأكل، وهو ينام، وهو يبتعد، تتسلل خفية بين الأشجار، حتى تراه من حيث لا يراها، فقد أبى قلب الأم أن يتركه وحيدا يواجه مصيره، نعم لقد غضبت منه، واستاءت من سلوكه لدرجة كبيرة، لكنها عجزت عن تحمل فكرة تركه وحيدا، بل قررت أن تراقبه من بعيد، غير أنه الآن في خطر، لقد بدا يبتعد قليلا، إنه يركض نحو المجهول، هنا قررت أن تتبعه بسرعة البرق، إنه قلب الأم، نعم إنها غاضبة منه، ولكنها لا يمكن أن أبدا أن تتخلى عنه، ما زال صغيرا، لا يعرف شيئا عن أهوال الغابة، ليست مستعدة لأن تراه يتعرض للخطر، وتبقى صامتة، مختفية عن الأنظار، لا تحرك ساكنا، لقد قررت أن تظهر.

نادته بأعلى صوتها بعد أن ابتعد كثيرا، وهي تتبعه بخطوات متسارعة، وأنفاس لاهتة، وزوز ملتصق بصدرها يثقل خطواتها: 

- "زاز، زاز، زااااز، توقف، أين ستذهب؟


سمع زاز النداء فالتفت مستغربا وقد اهتز قلبه فرحا، إنه صوت يعرفه، صوت حبيب لقلبه، صوت يذكره بسر وجوده،  صوت وعى به منذ أول لحظة أدرك فيها الحياة، بل قبل ذلك بزمن "أيمكن أن يكون صوت ...".

التفت مسرعا فإذا به يرمق وجها محبوبا غاب عنه زمنا، إنه وجه أمه، وصوت أمه، شعور غامر بالسعادة ملأ كيانه، فاتجه بخطى تسابق الريح نحوها، ليحضنها بكل ما أوتي من قوة، والعبرات تنهمر من مقلتيه وهو يردد:

_سامحني أمي، اشتقت إليك كثيرا، لم أتوقع أن غيابك حسرة وألم، لقد أخطأت في حقك، وفي حق أخي زوز، أين رحلت عني؟

ردت الأم مزوز وهي تحضن زاز بشدة باليد اليمنى، وتشد الصغير زوز باليسرى:

-" لم أرحل، لقد كنت قريبة منك، أرمقك من بعيد، أتسلل بين الفينة والأخرى بين الأشجار لأتفقد أحوالك، كيف أرحل وأتركك وحيدا، إنني أم، أردتك فقط أن تتعلم الدرس"

-لقد تعلمت الدرس يا أمي، لن أخذلك مرة أخرى، ظننت أن الفوز بالموزة انتصار، غير أنه في الحقيقة هزيمة، وتعبير عن حقارتي وخستي واستغلالي لبؤسك وشقائك، كم كنت نذلا وأنانيا"

- "وما الدرس الذي تعلمته يا بني"

- " تعلمت أن غذاء الروح لا يقل أهمية عن غذاء الجسد، بل أكثر بكثير..."

ردت مزوز بثغر مبتسم:

-" هذا بالضبط ما أردتك أن تتعلمه من رحيلي، إن الماديات مهما علا شأنها، لن تعلو على قيم الروح التي تحتاج للود والحب والأنس والحنان والدفء، وأن الاهتمام بأحبائنا والإسراع لنجذتهم ودعمهم في الأوقات الصعبة خير من تحقيق المكاسب الآنية الزائلة، فأنت إن شبعت ستجوع، لكنك إن غدرت ستترك في النفس أثرا لن يزول"

أمسكت مزوزبيد طفلها وعادا ادراجهما إلى شجرة الموز الملعونة، بعد أن  أضحت مباركة لأنها علمت زاز درسا لن ينساه أبدا، وقد وعد أمه أن ترتاح تحت الشجرة، وتهتم بأخيه الصغير زوز حتى يصبح قادرا على جلب طعامه بنفسه، وأنه هو من سيتكلف بإحضار الطعام اليومي لهما من خلال سعيه في الغابة وتسلقه الأشجار المثمرة.


روابط محافظ من النوع الممتاز:


محفظة مدرسية من أمازون







 





تعليقات