القائمة الرئيسية

الصفحات

السعادة قرار(من يوميات امرأة عاملة)

 السعادة قرار(من يوميات امرأة عاملة)

تقديم السعادة قرار

السعادة قرار لا يتأتى فقط بالاجتهاد، بل بحسن الاختيار،  وأن لا يبق المرء رهينا لرغبات المجتمع وضغوطاته، بل يجب أن يختار هو ما يريده فعلا، حتى لا يقف يوما مع نفسه فيجد نفسه خسر كل شيء، خسر نفسه قبل أن يخسر سعادته، وقصة زينب الجميلة المجدة غير دليل على ذلك. 
السعادة قرار

اجتهاد ونيل العمل المراد السعادة قرار

درست زينب وكدت واجتهدت لتحصل على عمل جيد بأجر عال، فتفوقت، ولأعلى معاهد الهندسة ولجت، ثابرت وسهرت، وبأعلى المعدلات فازت، وفي أرقى الشركات توظفت. 

غارت منها الصويحبات، والكثيرات اعتبرنها من المحظوظات، لأنها اختصرت كل المسافات، وفي رمشة عين حققت كل الأمنيات.  

مضت السنة الأولى من العمل بأمان رغم ما تخللها من بعض الصعوبات، كالتنقل عبر القطار ليصل بها إلى عملها بعد ساعات معدودات، وتعرضها في العمل لبعض المضايقات من هذا ومن ذاك، غير أن شغفها بالأجر غير الزهيد، بدد كل الصعوبات، وأعمى بصرها عن رؤية كل الخروقات.

فرحت بالمكتب الجديد، واللباس الرفيع، والانشغال طول اليوم بأداء المهمات، التي تتطلب منها بعض التنقلات، وأن تقدم بين الفينة والأخرى بعض التنازلات، وأن تتقن بذكاء فن المجاملات.

الارتباط بابن الحلال: السعادة قرار 

ولأنها في نظر العديد من الرجال فرصة ذهبية، جميلة وغنية، لم يتأخر نصيبها سنوات، فما هي إلا شهور معدودات، حتى تقدم لها ابن الحلال، الذي لا ينقصه الجمال ولا والمال ، إنه زميلها في العمل، الذي تربص بها منذ أول يوم ولجت في الشركة ، فتاة خلوقة ومجتهدة، وفوق هذا وذاك، ستزيد أجرتها لأجرته، فيرقى مستوى العائلة المزمع إنشاؤها، والحب الذي ترويه قصص العشاق ، وأشعار نزار قباني، حتما سيأتي بعد الزواج، فالعشرة كفيلة بأن تبنيه لبنة لبنة.

ترددت في البداية، غير أنها وافقت في النهاية، فالأسرة المحترمة، تشجع الفتاة على الزواج من أول فرصة، خاصة إذا كان الزوج المفترض ذو قيمة، جمال ويسر وهيبة،

تزوجت زينب آدم، بعد أن صرفت على العرس أموالا طائلة، إرضاء لتقاليد العائلة التي ترغب بالفخر بزفاف ابنتها، أمام الجيران، والأسرة الكبيرة، رغم أنها اضطرت لإكمال المصاريف من  ديون اقترضتها، إلا أنها سترجعها حين ميسرة، المهم أن ينجز العرس وكفى، لم يشاركها آدم إلا بالنزر القليل، على اعتبار أنه من اشترى الشقة، وجهزها، ومن تم فالعدل أن تتكلف بمصاريف الزفاف، إذا أرادت أن تفرح بنفسها، أما هو فالأمر بالنسبة له سيان.

شعور بالاغتراب في بيت الزوجية السعادة قرار

انتقلا معا لعش الزوجية، وبمجرد أن أغلق باب المنزل الجديد، تغيرت حياة زينب، من عهد لعهد جديد، شعرت لأول مرة أن العالم تبدل من حولها، لقد وجدت نفسها فعلا تعيش مع رجل غريب، غريب في طبعه، في تصرفاته، في مشاعره وعواطفه، لم تشعر بالارتياح من أول ليلة جمعتهما:

- "ربما لم أتعود على الزواج بعد، وربما الحياة الزوجية تحتاج وقتا لتنتظم" هكذا حدثت نفسها لتجد تبريرا لمشاعر الاغتراب التي تعيشها في أعماقها مع رجل تزوجته بمواصفات العائلة والمجتمع.

كان فظا غليظا منذ أول ليلة، وحشيا في معاملته اليومية ،  لا يراعي أي شيء، سوى حاجاته الذاتية، وقد طلب منها في أول يوم زواج تنظيف البيت وإعداد الطعام، على اعتبار أنها وظيفتها الأساس، دون أن يمد لها يد العون، حتى أنه رفض مع مرور الوقت جلب خادمة، لأنه يكره الغرباء في بيته، ولأنه مقتنع تماما بأن  زوجته أحق الناس بخدمته، وكي ملابسه، وطهو طعامه، وليس من حقها أن تطلب العون أو المساعدة.

 وعند نهاية الشهر طلب منها بكل وقاحة بطاقة الأداء ليضم أجرتها لأجرته، حتى يحسن تدبير حياتهما نحو الأفضل ، امتعضت، وتدمرت، ورفضت، غير أنه بكل قسوة مد يده عليها بالضرب، فصعقت وتألمت، وخوفا من كلام الناس، لأوامره استسلمت، وأعطته أجرتها كاملة إلا النزر القليل الذي يكفيها للتنقل، وقضاء بعض الحاجات الضرورية،  وهكذا بقيت بين البيت والعمل اليومي تتخبط.

فجأة ودون تدبير منها ولا سابق إصرار حبلت، فوجدت نفسها بعد شهور معدودة أما لطفل صغير، به ابتهجت، غير أن فرحتها بميلاده ما لبثت أن تبخرت، بعد أن وجدت نفسها حائرة، بين العودة لعملها، أو المكوث في البيت مدة لرعابة ابنها، خيار صعب، حسمه آدم، زوجها بقرار العودة، ووضع الطفل تحت رعاية مربية، فالمبلغ الطائل الذي يجنيه من عملها يحتاجه لمشروع شركته الجديدة التي لازالت في طور البناء.

تخبط بين البيت والعمل السعادة قرار

عادت للعمل من جديد، غير أن التعب أضناها، فلم يعد عمل البيت وحده همها، بل هم طفلها أدهى وأمر، خاصة وأن الزوج المحترم، يقضي يومه في العمل، وليله في السهر خارجا ، وحتى في أيام الإجازة يقضي وقته لاهيا مع هاتفه الجوال، أو في مشاهدة مباريات كرة القدم، وهي وحدها عليها التوفيق بين البيت والعمل، بين الطفل والشغل الذي يتبعها عادة حتى البيت.

يوما عن يوم، يزداد الضغط، وتسود الحياة، حتى كرهت العمل، وتمنت في قرارة نفسها لو اختارت مهنة تيسر لها المكوث مدة أطول بجانب طفلها الذي يحتاجها في كل ثانية، وجود لن يغني عنه وجود مربية، في غياب زوج مستغل، لا يمنح ابنها من وقته ولو نصف ثانية، وما الذي ستجنيه إذا خسرت طفلها، وما الذي ستربحه إذا خسرت نفسها، فهي طيلة الوقت مستغلة، يستغلها العمل المضني طيلة النهار، باعتبارها مهندسة معمارية، تشتغل في شركة عملاقة، ويستغلها زوج أناني، يسرق مالها،  ويعتبرها كالخادمة التي خلقت لخدمته، وتلبية رغباته، دون أدنى أحترام لها وكينونتها، ودون مراعاة شرع الله معها.

وقفة مع الذات السعادة قرار

وقفت زينب مع نفسها برهة، أخذت من الشركة رخصة، لتجلس مع ابنها مدة، وتفكر في حياتها مهلة، عسى أن تمنح نفسها فرصة، فرصة لتصحيح ما تبقى من حياتها المستغلة، فكرت مليا، وجلست مع نفسها طويلا، فوجدت أن همها الأساس لم يكن أبدا إسعاد نفسها، ولا حتى إرضاء ربها، بل كان كل همها، إرضاء مجتمع زائف، لم يواسي حزنها لحظة، ولا تذكر وجودها برهة، ولا عاش محنتها مرة، درست وتفوقت ليقال عن عائلتها أنجبت مهندسة، وتزوجت رجلا وسيما لتسد أفواه الناس بكلمة متزوجة، ثم أنجبت ليقال عنها أما لا امرأة عاقرة، وصبرت على استغلال زوجها، حتى لا يقال عنها مطلقة، ولكن أين هي؟ أين ما تريده هي؟ أين ما تحبه هي؟ لماذا حققت كل ذلك وبقيت تعيسة؟ عليها أن تعيد حساباتها، لا بد من أن تكرر بداياتها، فليس العيب أن تبدأ من جديد، العيب كل العيب أن تستمر في مهزلة، تغتصب يوما عن يوم أجمل أيام حياتها، فكرت وقررت.

السعادة قرار

قررت أن تتحمل مسؤولية طفلها لأنه لا ذنب له في اختياراتها، حتى لو اقتضى الأمر أن تحمله بين أسنانها.

قررت أن تضع حدودا لعلاقة زوجية مستبدة، فإما أن تنال كرامتها في بيتها، أو أن تضع حدا لمأساة استغلالها.

قررت أن تعيد دراستها الجامعية، لتختار شعبة طالما أحبتها، غير أن إغراء المهن الراقية اجتماعيا جذبها، ولجت دراسة الأدب العربي، لأن حب اللغة يجري في دمها.

قررت أن تختار مهنة أخرى تترك لها فرصة سانحة لرعاية ابنها الوحيد، فلم تجد عن مهنة التعليم بديلا، وهي مهنة طالما أحبتها، فاجتازت المباراة، ونجحت بتفوق.

قررت أن لا ترضي أحد بعد اليوم بعيدا عن قناعتها سوى ربها ونفسها، عسى أن تنعم بالسعادة التي افتقدتها زمنا ليس باليسر.

إقرأ ايضا: السعادة الحقيقية أن تفعل ما تريده أنت








تعليقات