القائمة الرئيسية

الصفحات

إسلاميات : سألني :هل دينك مبني عن قناعة أم مجرد وراثة؟

إسلاميات: سألني: هل دينك مبني عن قناعة أم مجرد وراثة؟

تقديم:

حوار دار بيني وبين أحد السائلين حول الإسلام، شرحت له رؤيتي للدين، لماذا أحبه؟ وكيف حررني وعلمني أن الأخلاق أساس العبادة في الإسلام؟

لماذا تحب دين الإسلام؟ (إسلاميات)

سألني أحدهم في رمضان بعد أن رآني متحمسا أثناء حديثي عن الدين وأهميته في الحياة، قائلا:  
-لماذا تحب هذا الدين؟ 

فأجبت بكل قناعة ويسر:

-لأني أرى فيه الخير كله.

 سألني من جديد: 

-أي خير تراه؟

أجبت ومشاعر الصدق تفيض في كلماتي:

-الخير كله يكمن في تعاليمه السمحة، في نواهيه وأوامره، في مستحباته ومكروهاته، في واجباته وفرائضه، في كل ذرة من ذراته؟

بفضل الإسلام تعلمت أن الأخلاق هي الأساس: (إسلاميات)

طلب مني أن أوضح، فقلت وكلي حماسة:

- بفضل ديني الإسلام، تعلمت الحب والسماحة" فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك"؟ ونبذت العنف والقسوة .

بفضل ديني الإسلام تعلمت الحوار الإيجابي: " وجادلهم بالتي هي أحسن" ؟

بفضل ديني تعلمت أن التحلي بالأخلاق الفاضلة أسمى عبادة، عندما مدح سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، في القرآن الكريم، بالتحلي بالخلق الكريم: "وإنك لعلى خلق عظيم"القلم( 4)، هذا النبي العظيم الذي تميز بمكارم الأخلاق، وكان قدوة للبشرية في ذلك، وهو الذي أقر أن رسالته الأساسية هي الأخلاق أولا وأخيرا: " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق".

هذه الأخلاق التي  يغفلها المسلمون، فيعتبرونها جزءا ثانويا من الدين، مع أنها الدين نفسه، ويتوهمون خطأ أن الدين  فقط هو العبادة، الصلاة، والزكاة، والحج...، متجاهلين قيم الصدق والأمانة، والتسامح، والتعاون، والنبل، واللين...، لهذا أضحى النفاق، والظلم، والكذب، والرياء....من صفات العديد من المنتسبين للإسلام. 

حررني الإسلام وعلمني أن الأخلاق أساس الدين


إسلامك قناعة أم تبعية؟  (إسلاميات)

رد السائل مستغربا:

-  قد يكون هذا النفاق الذي ابتلي به العديد من المنتسبين للإسلام يعود إلى أنهم  لم يختاروا هذا الدين، بل وجدوا آباءهم مسلمين، فورثوه، ولم يروا صورة إيجابية تتجسد في أخلاق آبائهم وذويهم، فاتبعوا الصفات الخاطئة، تمثلوا الصورة المشوهة عن الدين.

أجبته مؤكدا قوله: 

- تماما، وصدق ما تقول، ويؤكده الحق سبحانه بقوله: " وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير" (لقمان: 21)، أبدا لا يؤخد الدين بالوراثة، بل  يؤخذ بالقناعة، حتى يكون الصدق، ونجتنب النفاق، فالدين ليس عباءة نرتديها ورثناها عن أجدادنا، بل قيم و مثل ومبادئ نقتنع بها،  لكي نتمثلها في سلوكياتنا ومعاملاتنا"

وجه نحوي السائل نظرات حائرة، وقال:

-" وماذا عنك؟ تابع وارث أم مقتنع ثابت؟"

علاقتي بديني مبنية عن قناعة  (إسلاميات)

أجبته بكلام واثق:

" أما أنا فمقتنع ثابت، لم تقنعني فقط معجزات علمية في القرآن تكتشف هنا وهناك كل يوم، عن الصحة، والحياة، والكواكب، و...، بل سر اقتناعي يكمن في أني  وجدت أن لهذا الدين فضائل لا تعد ولا تحصى، اقتنعت بهذا الدين لأني لم أجد أمرا إلهيا واحدا فيه خير ونهاني الله عنه، ولم أجد أمرا واحدا فيه شر، ودعاني الله لفعله، فكل أوامر الله تعالى فيها خير وسعادة، وكل نواهيه فيها ابتعاد عن الشر والأذى، ولنأخذ مثالا: النهي عن الخمر والميسر والأنصاب والأزلام، هل فيها خير وسعادة، أم فيها شقاء وتعب، وضياع، الجواب واضح، والنهي عنها وارد في قوله تعالى:" إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون. إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون" المائدة: 90-91.  ومتى سعد الخمار؟ ومتى ربح القمار؟

أمرنا الله تعالى بالعفة في السمع والبصر والفؤاد، فقال : " ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا" الاسراء 30، آية عظيمة تدعونا إلى الحذر من سوء توظيف السمع والبصر والفؤاد ، مؤكدة مسؤوليتنا عن حواسنا، التي تطلق على عواهلها دون أدنى مسؤولية، فتهلكنا، والتحكم فيها واجب، حتى لا نقع في الفتنة، والفتنة كما نعلم أشد من القتل. 

كما أمرنا الله تعالى بالصدق، والصدقة، والبر والإحسان، وإيتاء ذي القربى حقهم، والمساكين وابن السبيل،"وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب" البقرة 41، وهذا أمر فيه الخير كله.

وأكد الحق سبحانه على الأمانة والعدل وهما أساس المجتمع الصالح: "إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل. إن الله نعما يعظكم به. إن الله كان سميعا بصيرا" النساء 58.  كل هذا وغيره كثير من دعوة للوفاء بالوعود، وإنصاف المظلوم، ونهي عن الزور، والغش في الميزان، والزنى، والكذب، والتنابز بالألقاب (التنمر)...

كل هذا يجعلني أعشق هذا الدين، واقتنع به، لأن في اتباع أوامره سعادة وهناء ونجاح وإيجابية، وفي الابتعاد عنه، ومخالفة أوامره تعاسة  وشقاء، مهما توهمنا عكس ذلك. وديني فوق كل هذا وذاك حررني.

(الإسلام حررني وتعاليمه ليست قيودا  (إسلاميات

بدت نظرات الاستغراب في عيون سائلي، فقال؟

- أرى أنه قيدك بأوامر ونواهي، فأين تكمن حريتك؟

أجبته مبتسما:

- إن الأوامر والنواهي ليست قيودا يا هذا، إنها قوانين إلهية تحمي حقوق الآخرين، وتمنع عنهم الظلم والعدوان، وتزرع بينهم المودة والرحمة، فكل أوامر الله من صدق، وأمانة، وتعاون، فيها حفظ لكرامة الذات، وكرامة الآخر" ولقد كرمنا بني آدم" الاسراء 70.

 أما حريتي فتكمن في عبارة الشهادة، التي تعتبر أول ركن في الإسلام: " أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله"

- ماذا تقصد؟ إنها مجرد كلمات تجعلك تنتسب للإسلام.

- انتبه معي، واقرأ المعنى جيدا، إنها إقرار ضمني بأن لا إله يتحكم فيك، وتخضع له سوى الله، لا شهوة،  لا ما مال، ولا دنيا، لا كائنا من كان  له سلطة عليك سلطة الخضوع إلا الله، أليست هذه حرية حقيقية، وخضوعك لله معناه امتثال لأوامره ونواهيه، يعني تحقيق  لسعادتك، ورعاية لحقوق الآخرين.

الانتماء الحقيقي للإسلام (إسلاميات)

ذهب سائلي في طريقه مشدوها، مستغربا من أجوبتي، وكأنه يتعرف لأول مرة على هذا الدين الذي ينتمي له مثلي، ولكن شتان بين الانتماءين، الانتماء عن قناعة وحب، والانتماء عن تبعية ووراثة،  فالانتماء الأول يبني لأنه صادق، والثاني يهدم لأنه يتبع وكفى، فعساه يغير نظرته، ويحبه، كما أحبه أنا، لأن الحب والاقتناع هما أساس الإخلاص في أي علاقة، حتى لو كانت مع الله جل جلاله.



   


تعليقات