علوم التربية: ما علاقة المدرسة بالتربية على القيم النبيلة2022؟
التقديم
تستهدف التربية إكساب الفرد مجموعة من المبادئ والفضائل والقيم الأخلاقية التي تساعده على إصلاح نفسه والنهوض بمجتمعه، لتحقيق تكيف إيجابي مع الواقع المعاش، وللمساهمة في تغييره نحو الأفضل.
وما دامت المدرسة هي مركز التربية والتعليم، فإن مهمة التربية على الأخلاق الحميدة من أرقى أدوارها، لأن هذا الدور يضمن استقرار المجتمع وثباته على المبادئ والقيم، التي بفضلها ترقى المجتمعات وتزدهر. وهذا تحديدا ما جعل من الأخلاق أساس كل الرسالات السماوية، وعلى رأسها الإسلام، لأنه عماد الاستقرار والرقي الإنساني، وحضورها ضروري في كل مناحي الحياة سواء السياسية أو الاجتماعية، أو الاقتصادية...، أما غيابها في أي مجال من مجالات الحياة فيعني انهيارا للقيم والمثل، وإيذانا بفشل المجتمع وخوائه الروحي مهما بلغ من الرقي والتقدم الاقتصادي أو السياسي.
![]() |
ما علاقة المدرسة بالقيم؟ |
1) مفهوم القيم (علوم التربية)
تعرف بأنها مجموع المثل العليا المؤسسة على مبادئ وقوانين، بعضها وضعي، وبعضها ديني، وهي قيم متعارف عليها، ومشتركة بين مكونات المجتمع[1].
أما في المعجم الفلسفي، فتعرف القيم بأنها ''مقياس أو مستوى أو معيار، نستهدفه في سلوكنا و نسلم بأنه مرغوب فيه، أو مرغوب عنه، كما أنها مقياس أو مستوى له ثبات أو استمرار لفترة زمنية، يؤثر في سلوك الفرد تأثيرا يتفاعل مع مؤثرات لتحديد السلوك في مجال معين"[2].
وجل التعاريف تقر أن القيم تكاد تكون عبارة عن أحكام صادرة في حق أفعال و أشياء الوجود البشري، اعتمادا على عنصر التفضيل، و انطلاقا من المعايير السوسيو ثقافية السائدة.[3]
وبذلك تمثل القيم مجموعة من المعايير، التي تحكم الفكر السائد لدى الأفراد والمجموعات، كما تؤثر على السلوكات و الممارسات، سواء الفردية، أو الاجتماعية، الأمر الذي يؤكد أن القيم تنتج عن التفاعل الدائم بين الفرد و المجتمع الذي ينتمي إليه، من جهة، وبين المجتمعات في إطار تفاعلها مع بعضها البعض من جهة أخرى.
2)المدرسة تربي على القيم النبيلة
(علوم التربية)
أ- قيم متنوعة
لهذا تتوخى هذه المقالة التعريف للنهوض بدور المؤسسات التعليمية في التربية على الأخلاق الكريمة، وكذا التربية على قيم حقوق الإنسان، على اعتبار أن هذه الحقوق تجسيد لمدى تمثل المتعلم للقيم النبيلة في سلوكه ووجدانه، لأنه لا يمكن الفصل بين الأخلاق كمبادئ دينية وإنسانية، وبين قيم حقوق الإنسان كمعطى حداثي دافعت عنه الشعوب في تاريخها الطويل، والذي يحمل في جوهره هدفا نبيلا أخلاقيا، يتمثل في احترام حق الآخر في الرأي والاختلاف، وحقه في الكرامة والتمتع بالحرية التي لا تؤذي الآخرين، وحقه في العدل والإنصاف، وعدم التمييز.
ب- الأولوية للقيم
لهذا نجد أن من الأولويات التي يجب الاهتمام بها والتأكيد عليها، الاهتمام بمجال الأخلاق في عالم التربية والتعليم، الذي يشكل جسرا لتمرير القيم والمبادئ السامية لضمان رقي الفرد والمجتمع. وإذا كان العالم اليوم يحتفي بقيم حقوق الإنسان على اعتبار أنها معطى حداثي، فإننا نرى أن هذه القيم الحقوقية الحداثية قد سبق الإسلام إلى إقرارها منذ أكثر من أربعة عشر قرنا، وقد تم تضمينها في ذلك المشروع الأخلاقي العظيم الذي حمله الإسلام، والذي زخر بقيم التسامح والعدل والكرامة والحرية. لهذا نقرن في دراستنا بين التربية الأخلاقية والحقوقية، على اعتبار أنهما وجهان لعملة واحدة، فالتربية الأخلاقية هي التي تحمي الحقوق الفردية والاجتماعية، والتربية الحقوقية هي التي تضمن استمرار الأخلاق. وإذا تعارضت بعض قيم حقوق الإنسان المدرجة في المواثيق الدولية مع أخلاق الإسلام والفطرة البشرية فلا مجال لقبولها، لأن مراعاة الخصوصية الثقافية والدينية امر مطلوب في كل المجتمعات
3)آراء ومواقف حول علاقة المدرسة بالتربية على القيم (علوم التربية)
وتتميز القيم حسب الدكتور عبد الله الرشدان بالخصائص التالية[4]:
- تعتبر معايير و ضوابط للسلوك الإنساني.
- تنتقل من جيل إلى جيل، عن طريق التربية و التنشئة الاجتماعية.
- تتميز بالتغير و التطور، رغم بطئها
- ليست صفات مجردة، بل يتوصل إليها من خلال أنماط السلوك المعبر عنها.
وتستهدف التربية على القيم غرسها في نفوس الناشئة، وهو أمر لا يقل أهمية عن المعارف التي يزودون بها، إذ تشكل القيم قوة دافعة، كما أنها تعد معايير يقيم على أساسها أي عمل أو سلوك، فضلا عن كونها إحدى الدعامات الأساسية المهمة، إن لم تكن هي الدعامة الأصلية، التي تسهم في تكوين شخصية الفرد، كما أن لها أثر على المجتمع، فهي تعمل على توحيد أفراده و تماسكهم.
و تؤكد الأستاذة رقية أغيغة أن من وظائف التربية على القيم[5] :
- استقرار الحياة الاجتماعية، باعتبارها معيارا أساسا يوجه السلوك نحو هدف مشترك.
- تعد معايير لقياس العمل، و تمكن من التنبؤ بما سيكون عليه سلوك الفرد في مواقف مختلفة .
- تحقيق التناسق بين أجزاء الثقافة، و ربط بعضها إلى بعض.
- تزود أعضاء المجتمع بمعنى الحياة، و بالهدف الذي يجمعهم من أجل البقاء
- تعديل السلوك، و تحقيق التوافق النفسي و الاجتماعي للأفراد .
و هكذا تكتسي القيم أهمية كبرى، في حياة الأفراد و الجماعات، فلا يمكن تصور أي حياة فاعلة و سوية للفرد بدونها، إذ من خلالها يتم الإحساس بمعنى الحياة، و بفضلها يتمكن المجتمع من الانطلاق بهمة عالية، و بكل جدية لمزيد من العمل و الإنتاج "و لكي يستطيع النظر إلى أهدافه و يحدد الأولويات، و الطرق و الأساليب الموصلة إليها، كان لابد من توفر القيم و ثرائها لديه، و متى غابت القيم، عاش الفرد و المجتمع، مغتربين عن ذاتهما، بعيدين عن مواطن السعادة و الاستقرار، قريبين من أحوال القلق و الاضطراب"[6].
و يرى الأستاذ محمد عزيز الوكيلي، أن التربية على القيم مهمة للتربية المدرسية وتكمن أهميتها فيما يلي[7] :
- أن التربية على القيم هي التي تكفل تحقيق التعايش، و تضمن استمراريته في الزمان و المكان.
- أن القيم هي التي تمنح معنى للتربية والتكوين .
إن العديد من الدارسين المعاصرين لا يفصلون بين القيم والأخلاق على اعتبار أن"القيم هي مجموعة من الأخلاق التي تصنع نسيج الشخصية الإسلامية وتجعلها متكاملة قادرة على التفاعل الحي مع المجتمعات وعلى التوافق مع أعضائه، وعلى العمل من أجل النفس والأسرة والعقيدة"[9].
ولا يمكن بتاتا الفصل بين القيم الأخلاقية والقيم الحقوقية بشكل كبير، لأنهما ينطلقان من نفس المبادئ، ويستهدفان نفس المقاصد، ومركزهما الأساس هو المدرسة.
[1] - بوكوس، أحمد . حوار حول موضوع التربية على القيم ، مجلة عالم التربية، العدد 21 ، السنة 2012م ، ص 13.
[2] - الخباص، محمد بن عوض. دور مدرس التربية الإسلامية في غرس القيم ، و بلورتها من خلال المنهاج المدرسي، مجلة عالم التربية، العدد 21، السنة 2012، ص 398.
[3] - السعيدي، عبد السلام. تدريس مفاهيم قيم حقوق الإنسان ضمن المناهج التعليمية ، السلسلة البيداغوجية رقم 17، دار الثقافة – الدار البيضاء، ط 1، 2001، ص 131-132.
[4] - الرشدان،عبدالله. و جعنيني نعيم، المدخل إلى التربية و التعليم ، دار الشروق، عمان – الأردن، ط 1، 1994 ، ص210.
[5] - أغيغة، رقية. التربية على القيم في ظل التحولات المعاصرة ، عالم التربية ، العدد 2012 ، ص 50-51.
[6] - الخباص، محمد بن عوض. دور مدرس التربية الإسلامية في غرس القيم وبلورتها من خلال المنهاج المدرسي، مرجع سابق ، ص 400-401.
[7] - الوكيلي، محمد عزيز. المدرسة و منظومة القيم الكونية ، مجلة عالم التربية، السنة 2012، العدد 21 ، ص245.
تعليقات
إرسال تعليق