إسلاميات: هل تستطيع الأسرة العربية أن توازن بين تعاليم القرآن وتعاليم القوانين الدولية لحقوق الإنسان سنة 2022؟
1-الأسرة في تعاليم القرآن الكريم (إسلاميات)
تعتبر الأسرة العربية في تعاليم القرآن، عماد المجتمع، وأساس الدولة، وأصغر خلية في العالم، فصلاحها يؤدي إلى صلاح المجتمع والدولة والعالم، وفسادها يؤدي إلى فساد كل ذلك. وترتكز الأسرة الطبيعية المنسجمة مع الفطرة البشرية، كما خلقها الله تعالى، على وجود عناصر أساسية تتمثل في وجود زوج وزوجة، وبفضل هذه الخلية الصغرى الأساسية، تنتعش الحياة ويستمر الوجود البشري، لأن الزوجان يعدان مصدرا أساسيا للحياة، بفضل ما ينجم عن علاقتهما الحميمية من نشأة الذرية، وإنجاب الأطفال، هؤلاء الأطفال الذين كفل لهم الدين الحنيف كل عوامل الأمن والاستقرار، حيث نجد حق الحياة المكفول للذكر والأنثى، " وإذا الموؤدة سئلت باي ذنب قتلت" التكوير، الآية 8، وحق الرضاعة والكسوة، والإنفاق، وحق الإرث بعد الوفاة، وحقوق كثيرة لا تعد ولا تحصى تتحقق للطفل بفضل كيان الأسرة وعقد الزواج، كل هذه الحقوق تضيع طبعا، في حالة غياب هذا الكيان الشامل، الحاضن، عند إنجاب أطفال متخلى عنهم، خارج مؤسسات الزواج، كما تدعو لذلك قيم التحرر والجمعيات المدافعة عن حق المرأة والرجل في الزنا على اعتبار انه حرية فردية تنسجم مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، متجاهلين تماما ضياع حقوق الطفل الذي قد ينتج عن هذه العلاقة غير الشرعية، فيرمى في المزابل أو حاويات القمامة، لأن المرأة العربية التي يراد لها أن تعيش حرية جنسية، ستعتبر هذا الطفل عارا يحسن التخلص منه، لأن قيم المجتمع ترفض ازدياد الأطفال خارج مؤسسات الزواج، وفي الآن نفسه تدافع عن علاقة جنسية خارج هذه المؤسسات، وهنا التناقض الفظيع؟؟؟؟
![]() |
الأسرة العربية في المحك |
2-التغيرات التي عرفتها الأسرة العربية (إسلاميات)
وقد عرف هذا الكيان الصغير حجما، البالغ أثرا داخل المجتمع تحولا كبيرا في الألفية الثالثة، حيث تحول من الاجتماع والألفة إلى الفرقة، ومن التضامن والتآزر إلى التنافر والتباغض. وتخلت الأسرة عن أحد أكبر أدوارها، والمتمثل في التربية، بعد أن استسلمت لضغوط الواقع، وتداعيات التطور التكنولوجي والإعلامي، فوجدت نفسها تستهلك قيما جديدة مختلفة، وتمارس عادات غريبة اكتسحت مجالها باسم العولمة، فاحتارت في أمرها، وتفككت وخرجت عن طبيعتها، ملابس غريبة، تصرفات وسلوكات عجيبة، استهلاك لغة أجنبية باسم التحضر، استهلاك قيم جديدة باسم العصرية، وإذا هي لم تواكب هذا التطور والتحضر، ستتهم بالتخلف والرجعية، تحضر شكلي، لا علاقة له بالعمق، تحضر على المقاس، أما الفكر فلا زال يؤمن بالخرافات والشعوذة، لازال غارقا في التفاهة والفراغ، لازال الكتاب آخر مصدر للمعرفة، ولا زالت التقاليد والعادات، والخوف من كلام الناس هو المسيطر، فالأسرة العربية لا تحتكم لقيم الدين الإسلامي في سلوكاتها، ولا تحتكم للتحضر الجوهري في مبادئها، الكل شكلي، الدين شكلي، والتحضر سطحي ظاهري.
3-عوامل ساهمت في تغير واقع الأسرة العربية (إسلاميات)
أ-تفكك الاسرة العربية
(إسلاميات)
تفكك الأسرة وخروجها عن طبيعتها لم ينشأ من فراغ، بل ساهمت فيه عدة عوامل تنوعت بين محلية وطنية وخارجية
دولية. حيث وجدت الأسرة نفسها تتخبط بين تعاليم الإسلام التي وضع أسسها القرآن الكريم، وبين تعاليم المجتمع الدولي التي تمت صياغتها في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان. كما وجدت هذه الأسرة نفسها رهينة واقع منفتح، معولم، معلمن، مؤسلم، لا ينتمي إلى هنا(الانتماء الديني والاجتماعي والوطني)، ولا يمت بأية صلة لهناك(الانتماء العالمي والقيمي اللاديني). فكان من الطبيعي أن يحدث شرخ كبير في هذه الأسرة التي فقدت البوصلة التي توجهها نحو المنحى الصحيح.
ب- الأزمة ممتدة
(إسلاميات)
والأزمة لا ترتبط بالأسرة فحسب، بل تمتد لتطال كل مؤسسات المجتمع العربي، الذي يعيش في ظل الدولة العربية الحديثة حالة شرخ عميق، يصعب رأبه أو ترميمه. وهو ما يمكن أن نصفه بأزمة هوية، أزمة كينونة وذاتية، لأن أفراد المجتمعات العربية يعيشون في تناقض تام مع ذواتهم، يعيشون حالة اضطراب نفسي بشكل من الأشكال، لا إلى هؤلاء، ولا إلى هؤلاء، وهنا تكمن مصيبتهم عموما، ومصيبة الأسرة العربية خصوصا، وهو ما يمكن أن نطلق عليه أزمة "التيه".
4- الأسرة العربية والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان (إسلاميات)
من أبرز مظاهر هذا التعارض بين تعاليم القرآن والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، الاختلاف في زاوية الرؤيا والنظر، لأن المنطلق مختلف تماما، فالقرآن الكريم كتاب دين مقدس، يخاطب في الأسرة القيم الدينية، التي تقود المتمسك بها إلى الجنة، وهو الاعتقاد الغالب عند المسلمين. في حين تمثل المواثيق الدولية قوانين وضعية، من إنتاج بشري، تقود صاحبها إلى التمتع بنعيم الدنيا، لأن مرجعيتها علمانية صرفة تفصل الدين عن الحياة، و تعطي الأولوية للمصالح الفردية الآنية الزمنية، ليس معنى هذا أننا ننبذ هذه المواثيق الدولية المرتبطة بحقوق الإنسان، ونرفضها جملة وتفصيلا بل نقر بضرورة التعامل معها بانتقائية، حفاظا على الهوية الوطنية والدينية، لأن ثقافة الشعوب تختلف، ولا نتعامل مع القوانين والحقوق الإنسانية كقيم كونية فرض تطبيقها. لأن الخصوصية تفرض نفسها شئنا أم أبينا ذلك وإلا سنغرق في عالم التيه.
5-أزمة التيه التي تعيشها الأسرة العربية (إسلاميات)
أ- بين قوانين دولية وتعاليم دينية تتخبط الأسرة العربية
(إسلاميات)
وبين قوانين دولية حقوقية دنيوية ذات طبيعة علمانية، وتعاليم قرآنية ربانية دينية، تتخبط الأسرة العربية المسلمة داخل إطار الدولة العربية الحديثة، فيضيع الخيط الرابط لديها، ومن تم تعجز عن الموازنة بين تيارين جاذبين، أحدهما ديني، والآخر دنيوي.وما يزيد الأمر سوءا هو دفاع العلماء والفقهاء داخل الدولة الحديثة عن القوانين والمواثيق الدولية المتعلقة بالأسرة من داخل المنظومة الإسلامية الصرفة، حيث يجندون كل النصوص الدينية لخدمتها، متغافلين الاختلاف الكبير بين المرجعيتين، وكذا الاختلاف الكبير بين الحقلين الدولي والديني.
ب- هنا تكمن أزمة الأسرة العربية
(إسلاميات)
وهنا تكمن أزمة الأسرة العربية، فلا هي انساقت كليا مع متطلبات المجتمع الدولي المحكوم بثقافة غربية تغريبية صرفة، ولا هي استطاعت التوافق مع متطلبات دينها المنصوص عليها في القرآن الكريم.
تعليقات
إرسال تعليق