كيف خاضت ندى معركة خاسرة دون مؤهلات معرفية؟ ( قصة ندى الجريئة مع الموسيقى)
حكايات وعبر(قصص خيالية)
_"ندى" قومي حان دورك للعزف على آلة البيانو.
أصابها النداء بالقشعريرة والخوف، إنها ليست مستعدة للعزف. ماذا تفعل هنا أصلا؟ إنها لم لم تتعلم يوما فن العزف، ولا تعرف حتى قراءة النوتة الموسيقية. كيف قادتها رجلاها لهذه المسابقة التي لا تتقن فيها فن التباري؟
اضطربت أوصالها، واحمرت وجنتاها، وارتعشت فرائصها، إنها في ورطة الآن. من سينقذها عليها أن تتقدم خطوات للأمام؟ الكل ينتظر، يتطلع بشغف للتعرف على العازفة الموهوبة التي ستتبارى أما حشد من الجمهور لتعبر عن موهبتها الفذة، والجمهور هو الحكم.
نهضت من مكانها واتجهت نحو المنصة بخطى متثاقلة، مطأطأة الرأس، جلست على الكرسي المخصص لها بجانب آلة البيانو، وهي لا تعرف عن قواعد الموسيقى شيئا، إنها تحرج نفسها، بل إنها تنتحر معنويا، وترمي بنفسها في المجهول.
الكل ينتظر انبعاث الرنات من أعلى المنصة، لكن لا شيء يسمع، ولا شيء ينبعث، بدأت تسمع همسات أصوات قادمة من الخلف ماذا هناك؟ ما الموضوع؟
-ندى ابدئي الآن.
لكنها لا تعرف من أين تبدأ؟ ولا أين تنتهي؟ ولا ما تفعل؟ تسمرت في مكانها، وقررت فجأة أن تعزف، ربما يسعفها الحظ فتعزف لحنا جميلا.
كيف خاضت معركة خاسرة دون مؤهلات (دون مؤهلات معرفية)
إنها تذكر جيدا ذلك اليوم الذي سجلت فيه اسمها في المسابقة عبر الإيميل، وهي على يقين أنها لن تفوز ولكنها ستحاول، إنها تعشق النغم، وتستلذ بسماع الألحان الجميلة، ورغم أنها لم تتلق أي تكوين في المجال إلا أنها ستحاول العزف، فكبار المبدعين في العالم عزفوا بفطرتهم، لا بتكوينهم الأكاديمي، هي أيضا يمكنها فعل ذلك. هكذا قررت مع نفسها خوض المغامرة، والمشاركة في المسابقة العلنية. لكنها الآن تعض على النواجد من شدة الندم، إنها في وضع شديد الإحراج يجب أن تعزف وكفى.
وضعت أناملها المرتعشة على مفاتيح البيانو، وصمت آذنها، ثم بدأت تضغط بعشوائية في كل الاتجاهات، والنغمات تتصاعد في الأفق مدوية كأنها الرعد في يوم عاصف وممطر. لا ترتيب بينها، ولا معنى لنغماتها. إنما هي نشاز من اللا موسيقى. الكل واجم ينصت ولا يفهم شيئا، لا أحد يستطيع إيقافها، ولا أحد يفهم معنى موسيقاها. تنتظر في أي لحظة هتاف الجماهير"هوه هوه هوه.." احتجاجا على أدائها، ولكن لم ينبس أحد ببنت شفة. ترى ما الموضوع؟ لا أحد يفهم شيئا؟
فجأة توقفت عن العزف. والتفتت نحو الجمهور محمرة الوجنتين، مضطربة الملامح، كأنها خرجت لتوها من معركة خاسرة. لكنها رفعت رأسها وانحنت محيية الجمهور، ثم انتقلت للجلوس في قاعة المتسابقين تنتظر تعليقات اللجنة والجمهور وهي مقتنعة تماما بهزيمتها وانكسارها، تود لو تعتذر للمستمعين فردا فردا على سوء أدائها. لكن لا أحد علق، ولا أحد استغرب أو تعجب من ألحانهاالشوهاء في نظرها.
تتذكر كيف خاضت معركة خاسرة دون مؤهلات معرفية
تتذكر في غرفة المتسابقين الرياح التي جرفتها للمشاركة في هذه المسابقة الوطنية، التي لم تفكر يوما في خوضها. حيث كانت جالسة ترتشف قهوتها الصباحية، تطالع جرائد الصباح كعادتها، فوجدت خبر المسابقة مدرجا في الصفحة الأخيرة من الجريدة، فكرت مع نفسها، لماذا لا تخوض المغامرة؟ شأنها شأن الآخرين؟ لماذا لا تتيح لنفسها فرصة التباري في مجال يعشقه الناس؟ وتعشقه هي قبل الجميع. سجلت نفسها عبر الحاسوب في موقع المسابقة بحماس شديد ودون تفكير في العواقب.
وها هي الآن تجلس في القاعة بعد أن أنهت دورها البئيس، تود لو يكون الأمر حلما عابرا تستيقظ منه على حقيقة مفادها أنها لم تشارك أصلا في أية مسابقة. غير أنها الآن هنا، هي نفسها بذاتها وكينونتها ولا شيء يوحي بالوهم أو حتى إمكانيته. تناجي نفسها في صمت، كيف يمكن أن تصحح الخطأ الذي وقع سهوا أو طيشا، لا تدري؟؟
خسارة المعركة مع سبق الإصرار لأنها لا تتوفر على مؤهلات معرفية
تعالى النداء من أعلى الخشبة على المتبارين للحضور قصد الاستماع إلى النتائج النهائية، ارتجفت أوصالها وهي تجر خطاها المتثاقلة نحو المنصة، إنها متيقنة من الفشل ولكن طعمه مر على أية حال. وقفت ثابتة الخطى بجانب المتبارين، مطأطئة رأسها، أعلن المذيع النتيجة والمتمثلة في فوز أحدهم أكيد إلا أن المصيبة هي أن المذيع أنبها أمام الملأ عندما أعلن أمام الجمهور عن اعتذاره لمشاركتها في المسابقة. وهذا ما حطمها، ما كان عليها أن تشارك في المسابقة دون مؤهلات دون تكوين وإلا كان مصيره الإهانة كما وقع لها هي.
خرجت ندى من حفل المسابقة وهي تجر الخطى متثاقلة نحو الباب، والألم يعتصر قلبها، والندم يشل أطرافها. إنه الإحراج المقيت الذي يشعرك بالفشل، يشعرك بالعجز والإهانة، نعم لقد أخطأت التدبير عندما دخلت في مسابقة محلية، دون أدوات، دون أسلحة، وسلاحها في هذه المسابقة، هو الخبرة التي تفتقدها، ولكنها لن تستسلم، هكذا قالت في قرارة نفسها: "سأنطلق الآن في اتجاه المعهد الموسيقي، وسأتعلم قواعد العزف على أصوله، وسأعود لأشارك في المسابقة من جديد، وسأفوز إن شاء الله".
كانت لهجتها في التحدي قاسية: "حتما سأعود، لكن هذه المرة سأقوي مؤهلاتي المعرفية في المجال قبل خوض المعركة ، حتى أتجنب الخسارة".
تعليقات
إرسال تعليق