تربويات: تجارب مؤلمة تتكرر( قصص واقعية من يوميات معلمة)
ذكريات أليمة باحت بها التلميذة لمدرستها (تربويات)
من يومياتها كمدرسة أنها وقفت ذات يوم أمام الصف بكل عنفوانها تشرح الدرس للتلاميذ، وهم يتابعون بشغف أحيان وبقرف أحيانا أخرى، قالت بكلمات واثقة وهي تشرح درس الأنا والهو بأن هناك ذكريات تبقى مخزنة في ذاكراتنا في منطقة اللاوعي أو اللاشعور، ذكريات من طفولتنا، من ماضينا، من مآسينا، من عقد نفسية عشناها فتراكمت ، وتجسدت آثارها في سلوكياتنا الحالية اليومية، وهو ما يفسر مجموعة تصرفتنا غير المتحكم فيها كالخجل الزائد، وعقد النقص، والاكتئاب، ورفض الواقع، وعدم الفرح والرضى...
بدأ الكل يتابعها بشغف الآن، وكأنها ما تقوله يلامس سلوكياتهم وهم المراهقون الذين تتجافى جوانبهم من الأرق والألم والعصبية والرغبة في تحقيق الذات، استغلت الفرصة لتشد انتباههم بقصة وقعت لتلميذة كانت تدرس عندها في السنوات السابقة، بدأت تحكي عن زينب التي صدمتها بقصة مفجعة، وتقول، طلبت مني ذات يوم أن أخرج معها تحدثني عن شيء مهم، خرجت معها فصدمت لما سمعت قصتها، قالت باضطراب : "أستاذة أريد أن أسرد لك قصة تؤلمني كثيرا، عشتها في طفولتي الأليمة، لقد كنت عائدة ذات يوم من المدرسة، وأنا في قسم ابتدائي، صغيرة جدا، فتحت الباب على حين غرة، فوجدت أبي في حالة سيئة"
سألتها: " ماذا تقصدين ؟"
ردت بحسرة: "وجدته في حالة هستيرية، يهذي بكلام غير مفهوم، لقد جن، هكذا أخبرتني أمي، لقد فقد عقله حين غرة، بسبب التعاطي للمخدرات، آلمني الأمر كثيرا، أستاذتي، أبي الذي أحبه كثيرا يصاب بالجنون، بسبب الإدمان، لم أصدق ما رأيته"
حكت الأستاذة أنها عانقتها في تلك اللحظة بجنون ، بشدة، لم تعرف ما تقوله، سوى أنها طلبت منها أن تنسى، أن تعتبر ما حدث ماضيا، وأن أباها قد كان مريضا نفسيا، ولم يكن يدري، عسى الله أن يغفر له زلته، أو يتجاوز عنه، لأنه مريض، ردت التلميذة التي تبلغ من العمر حينها خمسة عشر عاما، بكل وعي وهي ترتجف من شدة الهلع:" أبي لم يكن مريضا نفسيا أستاذة، أبي كان عاطلا عن العمل، وأمي هي من تنفق علينا، ولكننا لا ندري من أين تأتي بالمال، طال به الأمد على هذه الحال، وهنا قرر ان يعوض معاناته وينساها بالمخدر، لم يكن مريضا، لم يكن مريضا، إنها المشاكل أستاذتي، أليس كذلك، إنها المشاكل، أستاذتي" رددت كلماتها الأخيرة وهي تجهش بالبكاء
هنا تلعثمت المدرسة، لم تدري ما ما تفعل، عانقتها بشدة، وطلبت منها أن تدخل الفصل، وأن تدعو لأبيها بالمغفرة والرحمة.
واصلت حديثها متوجهة نحو تلاميذها، مؤكدة أن زينب كانت فتاة مريضة معقدة، وأن صدمتها في زمن الطفولة كانت سبب عقدتها، ولن تعيش حياة طبيعية إلا إذا فكت هذه العقدة، وأنها يجب أن تلجأ لطبيب نفسي، فالأمر ليس عيبا، حتى تعود فتاة طبيعية.
المعاناة تتكرر مع تلميذة أخرى
(تربويات)
لمحت في وجه تلاميذها، حسرة وأسى ونظرات غريبة، فالكل متجه بعينيه صوب وئام، التلميذة المؤدبة، الجميلة، المتفوقة، ما الأمر، وجهت عينيها نحو نفس الوجهة، وئام، إنها تبكي بشدة، بألم بحسرة، لا تدري لماذا؟ أتراها تأثرت بقصة زينب؟ اقتربت منها، ربتت على كتفيها، لتهدئ من روعها، وهنا قامت إحدى التلميذات ، وقالت بصوت يبدو عليه الكثير من التأثر:
-" أستاذتي إن ما حكيته اللحظة، هو نفسه ما قع لوئام، لقد عاشت نفس التجرية بكل تفاصيلها، الكل يعلم ذلك، ألا تعلمين أستاذتي"
ذهلت المدرسة، فلم تدري ما تقول، سوى أنها طلبت من وئام أن تقوم لتعانقها بحرارة، وتعتذر قائلة والدموع في عينها:
-" لو كنت أعلم أنك عشت نفس مأساة زينب ما سردتها"
ردت وئام بصوت حزين، متقطع وهي تمسح دموعها:
-"أبي كان مريضا نفسيا، قضى على نفسه بالمخدرات أيضا، لأنه كان مريضا، أبي قد يدخل الجنة، أليس كذلك"
هنا تلعثم لسان المدرسة فلم تدري ماتقول، غير أنها أومأت رأسها بالإيجاب وهي تقول بصوت خافت:
"لا أحد يدري ظروف الآخرين ولا مشاكلهم، الناس يعاونون، ويخطئون والله غفور رحيم، المهم أن لا نعيد نفس الأخطاء، بل نصححها"
تعلمت المدرسة الدرس
(تربويات)
حكاية مؤثرة، من الواقع، من يوميات مدرسة، عن الإدمان ومآسيه، تعلمت منه الدرس، تعلمت ذاك اليوم أن لا تحكي شيئا قبل أن تفكر ولو للحظة واحدة أنه قد يلامس مشاعر الآخرين، أو يؤثر على نفسيتهم ، لأن له من تجربتهم نصيب.
مؤلم
ردحذف👍👍👍
ردحذف